الهتافات ضد بواتينغ تفتح ملف العنصرية في الملاعب

أندريا مونتي

TT

نحن جميعا بواتينغ اليوم. ونحن لا نحسده على موهبته أو شهرته أو راتبه المرتفع أو خطيبته الحسناء، بل على تصرفاته وتمرده الذي يميزنا. فنحن نكتسي بالسواد مثله، سواد في الوجه وسواد في الروح وسواد بالغضب بسبب الإهانة الكبيرة للمدنية والتحضر. نحن جميعا بواتينغ الذي يخلع قميصه ويرفض الإهانة العنصرية. لقد فعل بواتينع الشيء الصحيح حيث إن كرة القدم ينبغي أن تغادر الاستاد بمجرد أن تدخله العنصرية. إنها أول مرة يحدث فيها ذلك في تاريخ الكرة الإيطالية ولا يهم إذا كانت الإهانات العنصرية قد وقعت في مباراة ودية غير مهمة. ينبغي أن نسجل هذا التاريخ وهذا المكان. 3 يناير (كانون الثاني) 2013، الساعة 15، استاد بوستو أرسيتسيو. فلن يظل أي شيء على حاله في السابق بعد هذا التاريخ.

لقد فاض الكيل باللاعب الغاني الأسمر بعد 26 دقيقة من بداية مباراة بروباتريا والميلان بسبب الهتافات العنصرية والحركات المستفزة من جانب قلة من الجماهير ضده وضد زملائه أصحاب البشرة السمراء وترك كل شيء. وانسحب الميلان بأكمله خلف بواتينغ يتقدمه قائده الأشقر أمبروزيني. وهكذا أصبحت مباراة بروباتريا والميلان، التي تعتبر مناسبة للاحتفال والاستمتاع، أول مباراة ودية يتم إلغاؤها بسبب العنصرية. وهي حالة فريدة في إيطاليا والعالم بأسره. وهي علامة واضحة على آفة العنصرية الكبيرة التي تدنس وجه الكرة الإيطالية والمجتمع المتحضر.

إننا لم نكتشف اليوم فقط مشكلة العنصرية في الملاعب الإيطالية والعالمية. فمن حالة زورو إلى تيري وسواريز، يتحدث الكثيرون عن هذه المشكلة ويعرب الجميع عن استيائهم من العنصرية وتم تطبيق بعض القوانين الصارمة لكنها كانت غير مجدية. فقوة التصرفات هي فقط التي تترك أثرا قويا في مكافحة العنصرية. لقد مرت 10 سنوات لكننا لم ننس وجوه لاعبي فريق تريفيزو الذي صبغوا وجوههم باللون الأسود على أنه نوع من التضامن مع اللاعب النيجيري أومولادي. ولم ننس أيضا تعليق عمدة المدينة العنصري الذي قال فيه: «لقد اختاروا لون العار». وقد تحدث عقب مباراة الميلان الأخيرة أيضا عمدة البلدة التي أقيمت فيها المباراة متهما بواتينغ «بتصرف مبالغ فيه بعيدا عن الاحترافية. ولو أنها كانت مباراة في دوري الدرجة الأولى لقام النادي بتوقيع غرامة مالية عليه». وهذا هو بيت القصيد. فعدم أهمية المباراة وضآلة الهتافات العنصرية تتعارض مع حجم مشكلة العنصرية بشكل عام.

ولو نظرنا باهتمام إلى المدرجات في تلك المباراة التي احتشدت بأسر بأكملها وأطفال صغار في يوم عطلة زينته الشمس الدافئة في قلب إقليم لومبارديا المتحضر، فلن نجد رموز التعصب العرقي والصليب المعقوف ورايات الحرب واللافتات العنصرية المسيئة والأجساد التي ملأها الوشم بجميع الألوان. ومن الصعب التعرف بين الجماهير المتحضرة على هؤلاء المشجعين الـ50 الحمقى الذين تسببوا في هذه الأزمة وهم يمزحون ويضحكون. ومن حول هؤلاء المشجعين كان كل شيء يدور على ما يرام. فالأطفال يشاهدون المباراة والآباء يثرثرون والأمهات تلوحن بالهاتف الجوال. ولم تستيقظ المدرجات من ثباتها إلا عندما غادر بواتينغ الملعب، وأدركت الجماهير أنه تمرد على الإهانات العنصرية، فثارت على هذه الإهانات من خلال التصفيق للاعب الذي رد هذه التحية بأدب جم وشهامة رائعة.

ويعتبر هذا علامة طيبة لكنه لا يكفي لمحو الانطباع بأن عبارة «الزنجي القذر» قد أصبحت عبارة سائدة في مجتمعنا ومخالفة يتغاضى عنها الجميع. ولا شك أن هذه العبارة تبقى إهانة شائنة في نظر كثيرين، لدرجة أن من يقولها في محطة مترو الأنفاق قد يتعرض للسجن أو الضرب، لكن هذا لا ينطبق على الاستاد. ففي المدرجات التي يصعب فيها تمييز الأفراد تتخذ كل أشكال الإهانات شرعية مقيتة وتصبح شيئا عاديا وسما يتغلغل أيضا في الحياة اليومية. ولا يمكن أن يستمر الوضع على هذا الحال. وينبغي ألا يقتصر الأمر على سيل التعليقات الغاضبة التي أدانت ما حدث، بل يجب أن تعقب هذه التعليقات أفعال واضحة لمكافحة العنصرية في ملاعب الكرة. ولا بد من الآن فصاعدا أن يتم إيقاف المباريات مع أول صيحة عنصرية، مثلما تنص اللوائح وثقافة التحضر. يجب أن نبدأ مناهضة العنصرية من ملاعب الكرة. فهذا هو الهدف الأجمل الذي يجب إحرازه وهذا ما ينبغي أن يهتم به نجوم الكرة وجماهيرها الراقية.