حفلة الزار!

عبد الرزاق أبو داود

TT

أضحى المنتخب السعودي لكرة القدم الأكثر متابعة في صحافتنا الرياضية حاليا، والأمر طبيعي، إلا أن غير الطبيعي هو محاولات منح هذا المنتخب حجما فنيا مبالغا فيه. الأخضر كبير بإنجازاته التاريخية، إلا أن هذا لا يبرر كل هذا «التشنج» و«التهويل» وحفلة «الزار» التي نصبها البعض. كرة القدم ليست مقصورة علينا، والتطور الفني والتنظيمي متاح للجميع، والملاعب لم تنشأ لكي ينتصر بعينه وينادي بالويل والثبور عند تعادله أو هزيمته، وكأن الأمر «كارثة وطنية».

الخسارة أمر طبيعي لكل الفِرَق والمنتخبات، ونحن لسنا استثناءً. علينا أن «نعترف» بأن منتخبنا الحالي، على الرغم من «ثقتنا» في أفراده، ليس بالصورة التي كنا نتمناها جميعا، سواء من حيث الفكر والمهارات الفردية، أو من حيث الأداء الجماعي. كما أن مستويات البدلاء ليست بالصورة المرضية، وهذا أمر طبيعي في ظل عوامل متعددة تعانيها كرة القدم السعودية، انعكست على المنتخب في النهاية.

فتوافر، وتوقيت، وطريقة اختيار اللاعبين المحترفين الأجانب ومراكزهم في الأندية السعودية، وطول الموسم الرياضي الكروي، وتعدد المشاركات الداخلية والخارجية، أصاب اللاعبين بالإرهاق النفسي والبدني، وطبيعة وتأثيرات نظام الاحتراف الحالي، الذي لا يمكِّن من محاسبة اللاعب على إنتاجيته الفنية مقابل ما يحصل عليه ماديا، إضافة إلى «إهمال» القاعدة الأساسية في الأندية الكبيرة والمتوسطة، هي عناصر شديدة التأثير في المحصلة الأخيرة على أداء المنتخب الوطني ونتائجه. كم هو عدد اللاعبين الذين صعدوا من درجات الشباب إلى الدرجة الأولى في الأندية الكبار في السنين الخمس الأخيرة؟ وما المستويات الفنية المميزة لهؤلاء الذين صعدوا بالفعل بحيث تسمح لهم بالالتحاق بالمنتخب الأول؟ لقد أضحت الأندية تعتمد على شراء «عقود» اللاعبين من الأندية الصغيرة بشكل متزايد، والمحصلة النهائية تترجم إلى ضعف واضح في قدرات هذه الأندية الإنتاجية، وتحولها إلى أندية «استهلاكية» مرهقة تعتمد كثيرا على «منتجات» غيرها. ومن العوامل المؤثرة الأخرى «انعدام» الخطط المستقبلية المبرمجة تقريبا لدى الأندية الكبرى على الأقل، فالكل «يخطط» للمستقبل والقاعدة السِّنية - كما يزعمون - غير أن «الحقائق» الميدانية تؤكد أن الكل يخطط لخطف بطولة ما كيفما اتفق، ثم يرحل ليتفاخر بها. فالتخطيط الحالي المزعوم «عشوائي» يؤدي إلى التراكم العددي، وقتل القدرات الصاعدة، وعدم منحها الفرص الكافية للظهور والتأقلم وإثبات وجودها وكفاءتها. هذه وغيرها هي «الأسباب» الرئيسية لتدهور القاعدة الأساسية التي ترفد المنتخبات الوطنية، وبالتالي ضعف إمكانات المنتخبات، كون قاعدة الاختيار هي قاعدة محدودة وضيقة، خصوصا المهارات الهجومية التي كادت تنضب في الأندية الكبيرة، نتيجة التركيز على المهاجمين المحترفين الأجانب.

المسؤولية مشتركة بين الجميع، ولا بد من حوار موضوعي للوصول إلى تصور مشترك، لمعالجة مشكلاتنا الكروية، التي عادة ما نتجاهلها عندما نحقق انتصارا هنا أو هناك، ولا ننتبه إليها إلا عندما نخسر في المشاركات الخارجية.