براءة ريكارد

محمود تراوري

TT

منذ ما قبل البارحة، وربما إلى أن تعود منافسات «المحلي» نصف نهائي كأس ولي العهد وتتمة دوري زين، تكون الخطابات الرياضية قد بلغت سقفها الأعلى، صابة جام غضبها على المنتخب السعودي، جهازا فنيا بقيادة ريكارد، ولاعبين وإدارة، معيدة إنتاج الخطابات القديمة التي ما برحنا نستعيدها منذ بداية أفول المجد في مونديال 1998 بفرنسا، وما تلا ذلك من احتقانات وإجراءات، كان أكثرها ضجيجا كارثة الثمانية الألمانية في مونديال 2002، وتشكيل لجنة عليا لدراسة واقع ومستقبل الكرة السعودية، وهي اللجنة التي بدأت وانتهت دون أن يعرف أحد ما آلت إليه. ولعل المتأمل في كل ذلك بموضوعية ومحاولة الاستقراء والتحليل يرصد أوليا وببساطة، أن أوضح ما يميز كل تلك الخطابات «كمية هائلة من التسطيح، التشنج، والانفعالات، التي قد لا يخلو بعضها من حماقات تصل إلى حد الجنون والتجني»، وبالمجمل لا نصل في النهاية إلى تكوين رؤية موضوعية واقعية، تفهم ما جرى، وتستشرف ما هو آت. فالصراخ، وتوزيع التهم والافتئات والتبكيت، وما إلى ذلك، ما هي إلا أدوات وحيلة من لا يملك رؤية لتحديد المشكلة.

حالة رومانسية عشناها كثيرا على مدى أكثر من عقد، والمحصلة في النهاية، هي «مكانك راوح»، ناهيك بحالة «فقدان ذاكرة» تصيب غالبية المجتمع بعد وقت قصير، حين يتجه الكل - فيما بعد - إلى المحلي وأسطوانة «نادينا وناديهم» التي تسترجعها الغالبية دونما أدنى وعي، خاصة فيما يتعلق بشق الخطاب الإعلامي القائم أساسا في جله على «الانطباعية/ العاطفية» وتنحية ما هو «علمي/ معرفي».

إنك لو تأملت كل الوقائع منذ نهايات القرن الماضي حتى اللحظة، لا تبصر إلا الأقوال والرؤى التبسيطية ذاتها تستعاد، وتستعاد حد الملل، يغادر فينجادا، يجيء بسيرو، وأنجوس، وكالديرون، وأسماء محلية، إلى أن يصل ريكارد قبل أكثر من سنة، والكل يأمل فيه إصلاح «خراب مالطا»، وريكارد - في تقديري - وإن كان يتحمل قدرا بسيطا من المسؤولية، بريء؛ لأن «الخرق اتسع على الراقع»، والأزمة برمتها أكبر وأعمق؛ إذ لا يمكن - فيما أتصور - اختزال النكسة الأخيرة في دورة الخليج في سياق ريكارد، وراتبه الذي يوصف بالضخم، ما لم نحدد الخلل بصورة منهجية واضحة ومحددة، بدءا من المناخ العام، الهامش، النشء، وإعداده، ومنافسات الفئات السنية، وماهية هذه المنافسات، وآلية المسابقات، وجدولتها ونزاهتها، وصولا إلى الشفافية، والمحاسبة والمراقبة، والسعي إلى فضح كل ممارسات الوعي الدعي، والوعي الزائف، وتفكيك السلطة المهيمنة والمؤثرة، بكل أنواعها، وسلطة الجماهير، وسلطة الإعلام، وسلطة العواطف، وكل خطاباتها التي تبدو منفصلة متضادة، لا تفضي في النهاية إلا إلى الخوض في السفاسف والهوامش، والمهاترات؛ لتبقى الحال على ما هي عليه.