«عموري» الفكرة الهشة

محمود تراوري

TT

بعيدا عن أيما رؤية فنية عن دورة الخليج، تهمني خاتمتها، التي مثلت تصعيدا دراميا، دارت رحاه في اليمن، وبصورة ربما تستثير غرائز البحث في نفس أي باحث، لمسألة «فكرة الوطن» في العالم العربي، التي أفرزت دورة الخليج في نسختها الأخيرة، أنها ما زالت ملتبسة في الذهنية العربية بشكل عام، يتساوى في هذا النخب ممن يسمون بـ«قادة الرأي»، والعامة.

ففي الوقت الذي انفلتت فيه كتابات جمة وبمختلف فنون الصحافة، تتناول قصة ولادة ساحر الخليج الجديد عمر عبد الرحمن ونشأته في الرياض، وكيف ظفر به الإماراتيون، أو بموهبته على وجه الدقة، راح المشهد اليمني يحترب - طبقا لوقائع في شبكة الإنترنت - وعلى جبهتين، الأولى يمنية صرفة تجاه الخليج، مع التركيز ضد الإمارات، للتأكيد على يمنية «عموري»، وبصورة تبدو في بعض المداخلات سمجة ساذجة، وبعضها عنصري، مقيت، متعال، أجوف، وهذه سلوكيات متبادلة بين الجانبين.

أما الجبهة الثانية فجاءت داخلية بين أتباع صنعاء وأبناء حضرموت الذين ينفون يمنية عموري ويذكرون بحضرميته، ليكتمل المشهد بؤسا، حين يستعر جدل حول التجنيس، والمواطنة، والأصل والفصل، ومتاهات عرقية، لا تحيل إلا إلى جهالات، لها انعاكاسات خطيرة، تصل للميديا، التي بالضرورة تؤثر في وعي الناس، هذا إن أردنا تخفيفها ولم نقل بل تشكل الرأي العام وبنسب كبيرة، ربما تدفع بأغلبهم إلى شتم المعلق العراقي الذي انحدر في نهاية تعليقه على نهائي البطولة وكال شتائم في حق الحكم المتألق خليل جلال، ولم يكتف بذلك، بل شتم وطنه وقبيلته، ما يجعلك تتحسر على ما وصلت إليه بعض الميديا العربية من انحطاط.

جزء من أشكال هذا الانحطاط، سواء في التفكير أو في لغة طرح وتقديم هذا التفكير، هشاشة فكرة الوطن وتشوش مفهوم المواطنة في ذهنية عدد ليس قليلا من الشعوب العربية.

السجال الضاري الذي اندلع هذين اليومين في الإنترنت حول ظاهرة عموري، يحيلنا إلى ما يحدث في بلاد الله الأخرى، ولنكتفِ بمثالين هنا، هما زيدان الجزائري الذي ولد بفرنسا، وبواتنيج الغاني الذي ولد في ألمانيا، لنـتأمل، كيف كانت فكرة الوطن من حولهما متجلية في معانيها الحقيقية، وأن المواطنة ليست إلا أوراقا لتنظيم وترتيب الحياة، ويبقى الانتماء الحقيقي للإنسانية أولا. الخيار كان متروكا أمامهما للعب مع الجزائر أو غانا، فرنسا وألمانيا لم تنزعجا، وغالبية الشعب غير معني بالموضوع؛ لأنه شأن قانوني تكفله الدساتير، ودعك من الأصوات العنصرية، فهي تظل أقلية، لا يخلو منها أيما مجتمع، ولا يغدو الأمر مخيفا إلا إذا تنامت هذه الأقلية، وتحولت لأغلبية.