المحترفون في الأرض

طلال الحمود

TT

خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، بلغت كرة القدم السعودية ذروة المجد بتحقيقها جميع الألقاب والإنجازات المتاحة في ذاك الزمان، بل إنها تجاوزت إلى الفوز بكأس العالم للناشئين وبلوغ الدور الثاني من نهائيات مونديال 1994، مما جعل العالم ينتبه إلى أن هناك بلادا تنشط في مجال اللعبة الأهم في الكون، وأنها تمتلك مواهب حقيقية لا مجال للصدفة في تكوينها، ولا يختلف اثنان على أن ذاك العهد قام على أكتاف لاعبين موهوبين يمتلكون حب اللعبة أكثر من حب المال، على اعتبار أن كرة القدم لم تكن مصدر رزق دائم، بل إن المال لم يكن يأتي إلا بعد الانتصارات، وهذه الأخيرة لم تكن مضمونة في كل حال!

وبعد سنوات طويلة ساد فيها الطيبون، استبدل الله بأولئك القوم قوما آخرين يبحثون عن المال والشهرة، قوم لا عزم فيهم ولا شدة، يأخذون ولا يعطون، يعملون في أنديتهم وينامون في المنتخب، قوم إذا رأيتهم حسبتهم رجال أعمال، وإذا تحدثت إليهم قال أحدهم: ابتعد قبل أن «أحطم» وجهك! هؤلاء القوم الذين يمشون في الأرض على سيارات مصفحة ويحمي حماهم عتاة غلاظ، قوم يأتون إلى الملعب لركل الكرة ورفسها وسط بحر متلاطم من المشاغل الشخصية والهموم التجارية، يأتون لأداء واجبهم دون نفس في انتظار أن ينفض «المولد» ويأتي المساء لعقد ندواتهم الخاصة، خلف أبواب مغلقة لا نوافذ في جدرانها....! وكما قال أحد الأصدقاء ذات وليمة: «كابتن المنتخب بات لقبا قديما ولا يليق به لأنه أصبح يستحق لقب شاهبندر التجار»! مع الأسف، هذا ما يحدث الآن، وهؤلاء هم عدة هذا الزمان وهذا عتادهم.

شخصيا، لا أعتقد أن أحدا من لاعبي هذا العصر يدرك معنى الاحتراف ولا السلوك الواجب اتباعه، إلا من رحم الله وهم قليل على كل حال.. لذلك، أعتقد أن العودة إلى ما يشبه أيام «دبلها.. دبلها» هي الأسلم والأكثر جدوى، لأن اللاعب هذه الأيام لا يفكر في الإنجاز لأنه حصل على المال مقدما وبالتالي يتراجع طموحه مهما كان طموحا.. في السابق، كان المسؤول يدخل إلى غرفة اللاعبين وهم ينتظرون منه المكافأة، بل إن بعضهم يطالب بمضاعفة الهبة المالية ليقينه أن ما حققه يستحق المطالبة.. في هذه الأيام، يدخل المسؤول لمصافحة اللاعبين ولسان حال بعضهم يقول: «والله، لو تدبلها بكلتا يديك»! عموما، أظن أن تجربة الاحتراف بشكلها الحالي ومعاييرها الدولية بمثابة بذرة غير قابلة للنمو في مجتمعنا، على اعتبار أن التجربة العالمية راعت كثيرا من المعايير الاجتماعية في أوروبا على وجه الخصوص، وبالتالي تلقفناها كما هي دون أن ندخل بعض التحسينات عليها لتوافق عقلية الشاب الموهوب محدود التعليم والقادم غالبا من بيئة «مستورة» الحال!