الثقافة «الاستعراضية» في ملاعبنا

عادل عصام الدين

TT

شدتني خلال الأيام الماضية مقاطع متعددة في الـ«يوتيوب» لمواهب في دول مختلفة، وهي تؤدي عروضا جميلة مذهلة في كرة القدم عن طريق الـ«free style»؛ حيث يقوم اللاعب بأداء حركات مهارية استعراضية محتفظا بالكرة أطول وقت ممكن، من دون أن تسقط الكرة على الأرض، وشاهدت لاعبا من باكستان - مثلا - وهو يؤدي حركات جميلة جذابة يصعب أن يؤديها أي لاعب حتى لو كان من أفضل لاعبي العالم، ما لم يمتلك موهبة ومهارة الاحتفاظ بالكرة أطول مدة ممكنة. ينقل اللاعب الكرة من قدمه إلى صدره إلى رأسه، و«ينطط» الكرة على هذا المنوال ببراعة فائقة إلى درجة مكوث الكرة فوق الرأس أو الظهر لفترة طويلة.

ولو كانت المنافسة في كرة القدم تعتمد على مثل هذا النوع من الهواية أو المهارة لكان هؤلاء النجوم من أفضل اللاعبين في العالم، وأذكر أن رياضيا كبيرا في السن من كوريا الجنوبية كان من أفضل الاستعراضيين في العالم في هذا الجانب، وسبق أن قدم عرضا في ملاعبنا لفت الانتباه، ولوى الأعناق.. وأذكر أن بعض الصغار كانوا يقدمون مثل هذا الاستعراض أمام نجوم عالميين من أبرز نجوم اللعبة، وأنا متأكد أن هؤلاء لا يستطيعون أداء أو محاكاة المتخصصين في الـ«free style» الجذاب الممتع الجميل الذي يعتمد على الموهبة والممارسة المتواصلة.

كرة القدم في المباريات أي في ميدان المنافسة شيء آخر. ثمة أهمية كبيرة للجوانب البدنية والنفسية والعقلية والمهارية والتكتيكية، ولا يكفي أن يكون اللاعب ماهرا في مجرد الاحتفاظ بالكرة من دون أن تسقط على الأرض. ويمكن القول إن الجانب البدني بات الأهم في ظل كرة القدم الحديثة، ولذلك لا أستغرب حين تتكرر الحكاية نفسها في ملاعبنا كل عام عندما تشكو الإدارات من مشكلات الإرهاق ومعاناة اللاعبين بدنيا.

صحيح أن ثمة معاناة دائمة في ما يتعلق بالبرمجة؛ نتيجة كثافة المشاركات المحلية والخارجية؛ لكن لا يجب إغفال مدى الخلل الكبير في الجانب البدني، خاصة في الأندية السعودية التي تعاني الأمرين في هذا الجانب لأسباب متعددة سبق لي أن تحدثت عنها مرات كثيرة طيلة السنوات الماضية.

وكان نجم الأهلي السابق والمسؤول البارز في منظومة كرة القدم الأهلاوية طارق كيال آخر من تحدث بصراحة ووضوح في هذا السياق؛ حيث أكد من واقع تجربته الثرية الخلل السعودي الكبير في ما يتعلق بالاحتراف، مشيرا إلى أن الاحتراف الحقيقي غير موجود؛ لأن اللاعب لا يفكر إلا في حقوقه المالية من دون أن يهتم بواجباته الاحترافية، ومن هنا تبدأ مشكلات الجانب البدني، أي أن اللاعب ليس محترفا احترافا كاملا. ولم ينس طارق كيال التذكير بأن أساس الخلل يكمن في عدم احتراف بقية أطراف اللعبة، وفي مقدمتهم الإداريون. وقد تطرق إلى أهمية الجانب البدني من خلال الإشارة إلى تصريحات أبرز خبراء العالم الذين أكدوا أن الجديد في سماء التكتيك، وأن كرة المستقبل تعتمد على الجانب البدني، والاعتماد على السرعة واللياقة والضغط واستغلال المساحات.

كرة المستقبل هي التي تعتمد على الجانب اللياقي المؤسس على التقدم العلمي، فمتى نعي ذلك؟!!

[email protected]