الضجيج يلف المشهد الكروي

محمود تراوري

TT

في المشهد الكروي السعودي لم يعد المرء يستطيع فهم أي شيء مما يحدث، الأحداث تترى، ويغدو إهدار الموضوعية والوعي والحقيقة سهلا، وكأنه إغلاق نافذة لحظة انهمار غبار كثيف، قد لا تعرف أين حدود توقفه. اتحاد كرة القدم، الذي تنسبه بعض الطروحات لرئيسه أحمد عيد، الذي عبر - وله الحق - عن انزعاجه من تسميته «اتحاد عيد»، لجان يمكن وصفها بـ«لجان الضجيج»، وإن كانت ليست وحدها من يحتكر الضجيج الذي تمدد حد التغول ليكون - دون أن أكون مسؤولا عن صحة الجمع - «ضجيجات» متنوعة، لا تبدأ من ضجة الاستغناء عن محمد نور، وما رافقها من سيل هادر للشائعات والتخرصات وتداخل المعلومات، وهي تتكهن بمصير اللاعب، الذي قد تتشابه قصته مع قصة نجم بوكاجونيور الأرجنتيني ريكميلي، الذي يراه البعض قريب الشبه في أدائه وشخصيته من نور.

لا تتوقف الضجة عند احتجاج النصر، وما اعتبرته إدارة نادي نجران «تناقض لجنة الاحتراف»؛ بل تتجاوز ذلك إلى خارج الحدود، وصولا إلى رفض الدكتور عبد الرزاق أبو داود جائزة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ثم لحاق أحمد عيد به في الرفض، وسط غموض لم يوضحه الإعلام الرياضي للقارئ حول ماهية هذه الجائزة وخلفيتها ودوافع رفضها، وقبلها ضجيج المدلج، والترشح للاتحاد الآسيوي.

ومن بين ركام كل منظومة الضجيج الذي بات يميز الممارسة «الكروية» محليا، جاء تفوق الكثير من الأندية السعودية في الجولة الآسيوية الأخيرة بمثابة الأخبار الجيدة والسعيدة الوحيدة وسط بؤس الضجيج، الذي يمكن أن يكون - بالضرورة - معبرا عن فقدان البوصلة!

تلك البوصلة التي استدار مؤشرها إلى الخلف نحو الذاكرة من خلال المتحف الرياضي الكائن هذه الأيام في ضاحية الجنادرية ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وهو الحدث الذي كان يمكن أن يمثل مفصلا لقراءة ومعرفة أين كنا؟ وإلى أين تحركنا؟ ووصلنا كمجتمع تعد الرياضة أحد أهم وأقوى معايير ودلالات تغيره مع زحف السنين، ووسيلة الترفيه شبه الوحيدة فيه.

المتحف الذي وصفه لي كاتب رياضي رصين، وعميق الوعي والمعرفة، بأنه لم يكن إلا عبارة عن صور من الأرشيف، بقي مجرد مشاركة جاءت محمولة على بند «تسجيل حضور» ليس إلا، فالواقع يعج بالضجيج، ولا يتيح وقتا لأحد بأن يتلفت حوله ليرى!

أخيرا وفي عمق هذا الضجيج المضجر، تأكد رسميا هبوط الوحدة إلى الدرجة الأولى، بعد أسوأ موسم قدمه الفريق على مدى الثلاثة عقود الأخيرة، وفي عهد القدير علي داود، الذي يحار البعض وهو يتساءل: من تورط بالآخر، الوحدة به أم داود تورط في الوحدة؟!