عن «إنشائيات» المنجز الفتحاوي

محمود تراوري

TT

على مدى أسبوع، لم يبق لنا الوقت شيئا يمكن قوله حيال «إنجاز» فريق الفتح لكرة القدم التاريخي، الذي ظفر عن جدارة - يشكك فيها البعض - بلقب بطولة الدوري السعودي هذا العام. أكثر من 90% من مقالات الأيام الماضية في الإعلام الرياضي، راحت تتغنى بالفتح «النموذجي»، متناولة الإرادة والتحدي والصمود وكفاءة الإدارة «الشابة»، لتخلص جل الكتابات إلى أنه «ليس بالمال وحده تدار الأندية وتتحقق الإنجازات، وهذا ما كان توقيعا صريحا من قبل أبناء المبرز».

صديقي الكاتب المبدع عبد الله السفر وأنا أهنئه على «الإنجاز» في مكالمة فورية أعقبت نبأ تتويج الفتح بطلا للدوري السعودي، باغتني بما يشبه الأمنية بأن يطول حرفي المتواضع هذا المنجز «الحساوي - الفتحاوي»، وهو بالتأكيد إنجاز لا يمكن وصفه إلا بأنه اختراق ملهم لمعاقل احتكار التفوق الرياضي.

بينما الكاتب غير الرياضي «الحساوي أيضا» محمد الحرز، طرح في صحيفة «الشرق»، أول من أمس، أفكارا جديرة بالتوقف حيالها، وهو يشير إلى أن هذا الإنجاز «ليس مستغربا أن يكون نقطة تحول تفسح المجال لكي يكون قاعدة أو مثالا تبنى عليه شخصية الفرد الأحسائي في الأيام المقبلة»، واصلا إلى النقطة الأهم التي يمكن استخلاصها من هذا الإنجاز حين يتساءل: «أليس هذا الفوز ينبهنا إلى عمق الخلل والبؤس الذي تعيشه الرياضة على مستوى الوعي والأخلاق والثقافة؟»، ثم يمضي في تساؤلاته الواعية والموجعة - في الوقت ذاته - وهو يقول: «ألا يكشف لنا هشاشة الفكر الذي يصنع الرياضة عندنا؛ بل أجزم بأنه ليست الرياضة فقط؛ بل حتى الفكر الذي يصنع الثقافة والتعليم وبقية المجالات الأخرى؟».

ثم يضع الفتيل في سم الخياط حين يصل إلى الوجع قائلا: «وما يغطي هذه الهشاشة بركام من التلميع المزيف، هو إعلام لم يساعد كثيرا على إزاحة كثير من الصدأ الذي تراكم على هذا الفكر وعلى الوعي به؛ بل كان في مجمل الأوقات عاملا يكرس كل صورة مشوهة لا تعكس مفهوم الرياضة كثقافة ووعي يحفزان على التطور والتقدم، فهو إعلام لا ينمو إلا ضمن هذا السياق المشوه بفعل الفساد واللامبالاة وعدم المسؤولية».

إذن وبعيدا عن كل «الإنشائيات» و«الطهبلة» التي أعقبت نبأ إحراز الفتح بطولة الدوري، أتصور أنه يتعين علينا قراءة الحدث ومقاربته بتفكير عميق ومختلف، يفترض أن يوصلنا إلى مناطق مضيئة من الوعي، تنتشلنا من «عشوائية» وقتامة ظلت تهمين على تعاطينا مع الرياضة ردحا من الزمن، أفضت إلى تراجعات مخيفة جدا، إذا قارناها بما كنا عليه رياضيا واجتماعيا قبل عقدين من الزمن!