اعتزال أليكس فيرغسون

سام هاردي

TT

عندما تولى السير أليكس فيرغسون قيادة مانشستر يونايتد عام 1986، كان مستوى الفريق، وكرة القدم الإنجليزية بصفة عامة، يختلف تماما عن المستوى الحالي. وكان مانشستر يونايتد، الذي يعد تجسيدا للدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الجديد وقوته التجارية وقدرته على تسويق نفسه في جميع أنحاء المعمورة، يكافح بشدة منافسة نادي ليفربول الذي كان أكثر نجاحا آنذاك. وحتى ملعب «أولد ترافورد» لم يكن متطورا بالشكل الذي يليق بناد إنجليزي كبير، ولم يكن مانشستر يونايتد قد حصل على أي بطولة للدوري الإنجليزي على مدى عشرين عاما كاملة، وكان النجاح الأوروبي بمثابة حلم بعيد المنال بالنسبة للنادي وعشاقه.

مانشستر يونايتد لم يكن هو الوحيد الذي يعاني تلك الأزمات، ولكن كرة القدم الإنجليزية كلها كانت تمر بفترة عصيبة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وكانت غير قادرة على مواكبة التطور الهائل الذي شهدته الدوريات والبطولات الأوروبية الكبرى في دول مثل إسبانيا وألمانيا وإيطاليا، وكان الدوري الإنجليزي يعاني من انخفاض عدد الجمهور في المدرجات، كما كانت ظاهرة العنف منتشرة بصورة كبيرة، ولا يكاد يخلو أسبوع واحد من أحداث عنيفة.

إن النجاح الكبير الذي حققه فيرغسون مع مانشستر يونايتد يعكس تحول كرة القدم الإنجليزية من واحدة من أحلك فتراتها إلى إمبراطورية رياضية في العالم الآن.

وفي عام 1992 انطلق الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الحالي، معتمدا على الناحية التجارية والتسويق، بالتزامن مع حملة تسويقية ثورية من جانب شبكة «سكاي» التلفزيونية، التي نجحت في إعادة المجد إلى كرة القدم الإنجليزية مرة أخرى.

وفي أول موسم للدوري الإنجليزي بشكله الجديد، نجح السير أليكس فيرغسون في قيادة الشياطين الحمر إلى منصة التتويج، ثم الحصول على 13 لقبا للدوري الأقوى في العالم. لقد جلب المدير الفني الأسكوتلندي القدير الاستقرار والنجاح إلى «مسرح الأحلام»، وهو ما سمح لمانشستر يونايتد باستغلال حالة التطور التي كان يشهدها الدوري الإنجليزي آنذاك. وتم تطوير ملعب «أولد ترافورد» تدريجيا، وأصبح لكل مشجع مقعد خاص به، ونجح النادي في تسويق نفسه خارج مدينة مانشستر، واستغل البث التلفزيوني لزيادة قاعدته الجماهيرية في المملكة المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، وهو ما زاد بالطبع عائدات النادي، وسمح له بعقد صفقات من العيار الثقيل، لعل أبرزها النجم الفرنسي إريك كانتونا.

وحاولت الأندية الإنجليزي الأخرى السير على الدرب نفسه، ولكنها لم تحقق النجاحات التي حققها مانشستر يونايتد تحت قيادة فيرغسون.

وأنفقت أندية أخرى، مثل بلاكبيرن روفرز وتشيلسي ومانشستر سيتي، أموالا طائلة لتحقيق نجاحات سريعة، ولكن لم يتمكن أي منها من العثور على رجل مثل فيرغسون، الذي أثبت بمرور الوقت قدرته الفائقة على التكيف مع كرة القدم الحديثة، وحقق نجاحات كبيرة لمانشستر يونايتد في ظل أجواء رائعة من الاستقرار.

وغير فيرغسون الفريق بصورة شبه كاملة ثلاث مرات على الأقل، لعل أشهرها ما حدث عام 1995 عندما تخلى عن نجوم بارزة مثل بول انس ومارك هيوز وأندريه كانشيلسكيس، وتعاقد مع لاعبين شباب عديمي الخبرة، مثل ديفيد بيكام وبول سكولز، وهو القرار الذي سخر منه كثيرون آنذاك، ولكن فيرغسون أثبت بعد ذلك أنه يملك رؤية ثاقبة بعدما أصبح هؤلاء الشباب نجوما لامعين وقادوا الفريق إلى الكثير من البطولات والألقاب.

وفي الوقت الذي كان فيه فيرغسون يجدد من فريقه دائما ويضخ دماء جديدة لمواصلة العطاء، كانت الفرق المنافسة تسقط واحدة تلو الأخرى، وحتى المدير الفني الفرنسي لنادي آرسنال أرسين فينغر، الذي أحدث ثورة هائلة مع المدفعجية، لم يتمكن من مواصلة النجاح والسير على خطى فيرغسون، ولم يحصل على أي بطولة مع آرسنال على مدى السنوات الثماني الماضية.

ويظل اعتزال فيرغسون حدثا جللا، ليس فقط لعشاق مانشستر يونايتد، ولكن لكل محبي وعشاق اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ويكفي أن نعرف أن عدد متابعي الدوري الإنجليزي في العالم يصل إلى 5 مليارات مشاهد، أي أكثر من متابعي أي لعبة رياضية أخرى في العالم. ولا يمكنك الحديث عن الدوري الإنجليزي الممتاز من دون الإشارة إلى مانشستر يونايتد والسير أليكس فيرغسون. وحان الوقت الآن لظهور فيرغسون جديد، ليس فقط في مانشستر يونايتد، ولكن في الدوري الإنجليزي الممتاز أيضا.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يستطيع مورينهو أو ديفيد مويز سد الفراغ الهائل الذي سيتركه فيرغسون في ملعب «أولد ترافورد»؟

* سام هاردي كاتب وباحث في السياسة والعلاقات الدولية، وله كتابات سابقة حول العلاقة بين كرة القدم والسياسة والأعمال