اللاعبون القدامى.. الحرب بالوكالة

سعد المهدي

TT

احترام النجوم الرياضيين القدامى، لا يعني التعدي على حقوق الحاليين أو من سبقوهم، هذا رأيي منذ بدأ العزف النشاز لمقطوعة «الزمن الجميل» من البعض الذين يريدون أن نبقى في الماضي، فقط لأنهم يجدون أنفسهم فيه وما زالت عواطفهم وذكرياتهم ملتصقة بنجومه وإنجازاته وحكاياته.

هؤلاء الذين كان هدفهم قد يتسم بالوفاء، أو يعبر عن حالة نفسية شخصية تتعلق بالحنين للماضي، والأسى على العمر الذي بدأ يتقادم، فمهدوا للآخرين استخدام ذلك سلاحا لضرب الأجيال الجديدة من النجوم، حتى لا تتقدم، أو للتشكيك في ذلك إن هي فعلت أو تجاوزت سابقيهم.

أتحسس كثيرا من الثناء على الأجيال السابقة من اللاعبين، لأنه لا يأتي إلا في سياق التهوين ونقد أداء وقيمة الحاليين، كذلك فهو لا يراعي في مقارنته ومقاربته العدالة في القياس، ويغيب المرحلة ويتجاهل التفاصيل، فيجعل من أولئك النجوم، أو منجزاتهم، أنقياء وخالصين من الشوائب حتى لو العادية منها.

هذا التمهيد الذي قام به البعض من النقاد والعاملين في الشأن الرياضي، أغرى عددا لا بأس به من هؤلاء القدامى أن يركبوا الموجه ويواصلوا عزف ذات النغمة، مع إسباغ كل الفضائل على الذات وتنقية الصفحات من كل الأخطاء، بل ورمي كل ما امتلأ به إناؤهم على غيرهم من زملائهم من الأجيال الجديدة، وهكذا.

الأسطورة الكروية البرازيلية بيليه، من هؤلاء النجوم القدامى، الذي لو أمكن له لسد الفضاء وملأ الأرض، ليبقى هو وحده ملك الكرة وسيدها إلى الأبد، على الرغم من موهبة الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي أسقطه من عرشه بمنطق المرحلة والزمن الجديد وتوافقه مع ذائقة جماهير عصره، فإن حالة الإنكار ظلت دون أن تتغير، وذلك حدث مع أجيال وأجيال من نجوم الكرة العربية والمحلية، ظلت أسماؤهم عالقة ووجوههم حاضرة، لأسباب لا علاقة لها بالقيمة الفنية وحجم وعدد ما أنجزوه، بل هي حالة تساند وظيفي بينها ووسائل إعلامية وإعلاميين دخلت في حروب وعداوات متبادلة على حساب الأجيال الجديدة من النجوم.

بالطبع ليس كل النجوم القدامى يحملون هذا العداء لغيرهم ممن ربما حاليا في أعمار أبنائهم، ولا كل الإعلام، لكن الإفساد والتدمير لا يحتاج إلا لنفر قليل ليقوموا به، وهو ما توفره لنا وسائل الإعلام عبر من تستضيفهم من هؤلاء، ولأن ظروف ومبررات هذه الاستضافة ربما نفهمها ونتفهمها، فإنه ليس من المقبول هذا الكم من التجاوزات التي جردت نجوم الكرة الحاليين من كل شيء إذا ما كانوا يمثلون المنتخبات الوطنية، فيما يجدون الإشادة بفضائلهم والاعتراف بمواهبهم عندما يلعبون لأنديتهم مثلا؟، كما أنه ليس من المنطق السماح للاعبين ارتكبوا نفس الأخطاء المقبولة وغيرها، أن يكونوا مقيمين ومرشدين لغيرهم بروح الشماتة والشتيمة، ومن المعيب على هؤلاء أن تغريهم المصالح الشخصية ويرتهنوا لهذه الوسائل عمدا أو جهلا لتسوقهم إلى ما تريد، وتسوقهم محاربين بالوكالة عنها ضد من يفترض أنهم أعلم بتفاصيل وطبيعة الدور والحالة التي مارسوها وخبروها من قبل.

اختلاف الأجيال أمر حتمي في طريقة عيشهم وتكوينهم وتعليمهم، وما يلتقطونه ممن حولهم ويتأثرون به من التغيرات وما يطرأ، وتنعكس على ما تكتسبه ذائقتهم، وإذا كان من حق الفرد البقاء في الماضي فليس من حقه أن يفرضه أو يحاول فرضه على الكل، ونجوم الكرة وطبيعتها تتغير وتتبدل في الشكل والمضمون وطرق الإعداد إن بقيت بقواعدها الأساسية، وكل جيل يحتفظ بقيمته الفنية وما أنجزه دون أن يمنع غيره من الأجيال الأخرى التمتع بحقه في عرض موهبته وتذوقه في ممارسة تقنياتها الجديدة التي توفرت لها بحكم التطور، فالموهبة باقية ما بقي الإنسان، والألعاب الرياضية شأنها شأن غيرها من أمور الحياة تتأثر بما يتحقق علميا وتكنولوجيا من تطور، لا بد وأن ينعكس على أدواتها وأساليب تعلمها وتنميتها وصقلها وصناعة ممارسيها وخطط التنافس، وبالتالي اختيار نجومها الجدد.

نعم الألعاب الرياضية تخضع لقانون الإبداع البشري في المقام الأول، لكنها لا تنتهي عنده فقط، والبعض يراهن، وأنا من بينهم، أنه لو عاد الزمن بالأساطير الرياضية لممارسة ما عليه الأجيال التي أعقبتها لفشل أكثر من نصفهم في تحقيق ما كانوا عليه من قيمة فنية، وهذا لا يقلل مما فعلوه، لكن دون أن نجعلهم حاجزا لوصول غيرهم، أيضا من الضروري جدا أن نفرق بين الشعبية والكفاءة، من الممكن أن تحقق الشعبية للنجم الرياضي ما لا تحققه له الكفاءة، لكن ذلك لا يعني على الأقل بخس الأكفاء حقهم متى أنجزوا.