الكرة السعودية.. أين تقف وإلى أين تسير؟

سعد المهدي

TT

‏بخروج المنتخب السعودي من الدور التمهيدي لبطولة كأس أمم آسيا لكرة القدم، عادت الحياة لعروق المناوئين للمنتخب من السعوديين الذين يرون أن المنتخب الحالي لا يمثلهم، إما لأنه لم يضم بين صفوفه لاعبين يرون أنهم أكفأ من الموجودين، أو لأنهم لا يتحملون مشاهدة عدد كبير من لاعبي النادي الخصم يحتلون جل المراكز الرئيسية فيه، وآخرين يخافون على رصيدهم الجماهيري الذي جمعوه على حساب المتاجرة بالمنتخب أن يتناقص لو توقفوا عن نقدهم اللاذع، أو تعديهم السافر على كل ما له علاقة بالكرة السعودية، وتعدوه إلى ما هو أبعد.

ولأن الشارع الكروي السعودي قد مر بتجارب عدة عبر تاريخ دخول أنديتها ومنتخباتها في منافسات خارجية، فقد بات من الطبيعي تخيل ما قد يحل الآن بالمنتخب إدارة ولاعبين وجهازا فنيا، حتى وقت الانشغال بالمنافسات المحلية التي ستعمل على تبديد هذه الغيمة السوداء لتتفرق هنا وهناك، فتمطر كل واحدة منها في المكان الذي يتم اختياره بالكم والكيف المتجرد من الموضوعية الخاضع لقانون المع والضد.

كل ما يحاول الكثيرون اعتباره سببا في تراجع الكرة السعودية، يمكن أن يكون صحيحا، لكن قاع هذا القياس هو من يحدد درجة الارتفاع أو الانخفاض في المستوى، ولأنه لا أحد حتى الآن بحث عن هذا القاع ولا اهتم أن يعرفه، فقد تباينت وتضاربت القراءات وقصرت الأفكار عن المجيء بالحلول، وساهم ذلك في توطين البيئة غير الصالحة التي جعلت الأخطاء والتخبطات هي القاعدة والصحيح والتوفيق الاستثناء.

القاع الذي أعنيه، معرفة الواقع الحقيقي للكرة السعودية الذي يمكن البناء عليه، والمعرفة هذه لا يمكن قراءتها بالسطحية التي تمارس في الحكم الذي اعتدنا أن نصدره على أشيائنا التي تتمحور في الأفضل والأكبر والأحسن، وألقاب التفاخر الصقور والنمور والعالميين والزعماء والراقين والليوث وما إلى ذلك من كلام لا يسنده واقع ولا يعتمد في ترويجه على فعل على الأرض، كما أن القاع لا يعني درجة الصفر بل الدرجة الحقيقية التي تقف عندها الكرة السعودية فعليا من خلال منظومتها الكاملة، وليس بمقياس تفوق عناصري أو جماعي مرحلي لناد أو منتخب.

علميا يمكن بحث واقع الكرة السعودية الحالي، والخروج بدراسات تصلح للاعتماد عليها في الصيغة الكاملة للحلول، لكن أيضا لا غنى عن فهم الواقع من خلال بعض العاملين في الأندية وخارجها ممن يملكون خاصية الرصد والملاحظة، والقدرة على تقديم الحلول، فإننا نريد أن ننتهي إلى أن الكرة السعودية (واقعها حاليا كذا، ويمكن لها أن تصل إلى كذا، خلال فترة كذا) وأن عدا ذلك من إخفاق أو إنجاز إن حدث إنما ينسب للمصادفة أو عده أمرا عارضا، وعلينا معرفة أنه كذلك فعلا ولا نبني عليه بل نعود إلى قاعدة العمل ذاتها لتحافظ على استقرار الحالة وإشاعة الطمأنينة في الأوساط الكروية، وعدم جعلها عرضة للاستقطاب والاصطفاف أو اللعب بعواطفها، وبالتالي استخدامها في خلق أجواء مضطربة لن تساعد على فعل أي شيء.

ولأن هذه الأوساط اعتادت سياسة تعبير غير صادقة حين تفشل الكرة السعودية أندية ومنتخبات في الظهور المشرف، فقد كان ذلك منجاة لاتحاد الكرة الذي هو الآخر صار في حل من أي فشل أو إخفاق طالما أنه كان يجد له في هذا الطرف أو ذاك من يسانده ويذب عنه نكاية بالطرف الآخر، لكن ذلك لا يعني أن يتخلى الاتحاد عن مسؤولياته وهي ليست بالضرورة تحقيق النجاح ولكن قد تكون أحيانا الاعتراف بالفشل واختيار طريق التصحيح بجدية ومسؤولية أو ترك هذه المهمة لغيرهم.

هذه المرة الثالثة التي يخرج فيها المنتخب السعودي من الدور التمهيدي لنهائيات أمم آسيا. حدث ذلك في 2004 و2011 لكن المنتخب بعد الخروج الأول عاد لهذه المنافسة وبلغ المباراة النهائية 2007. بينما لم يحقق أي شيء بعد الخروج الثاني 2011 ما يعني أن ما أعقبها هي سنوات التراجع الفعلي والحقيقية للكرة السعودية وليس قبل ذلك ولا حين غالى البعض في احتسابها ما أعقب إنجازات الـثمانينات، بما يعني عدم الاعتراف بما تحقق من بطولات خليجية وعربية وتأهل للمونديال والأولمبياد وتأهل لنهائي آسيا وتحقيقها على مستوى الأندية والمنتخبات في الـتسعينات والألفية الجديدة.

ولأن البعض كان يرى أن الفوز بكأس دورة الخليج التي استضافتها الرياض نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ليس طموحا ولا يعد تحقيقه أن تحقق إنجازا وزاد آخر أنه إن حصل المنتخب السعودي على هذه الكأس الآسيوية فإنه لا يعني تعافي الكرة السعودية مما أدخل في قلوبنا الشك فيما إذا كنا نحن المقصودين بهذا الكلام أم آخرين في قارة أخرى والآن ما يطرح ليس نقدا أكثر مما هو سفسطة وعبث ولأنه ليس من حقهم أن نتبعهم وليس من حقنا إسكاتهم فلا بد أن يعمل من تقع عليهم المسؤولية على بذل الجهود لمعرفة قياس درجة الكرة السعودية الذي يمكن عليه التعاطي مع شؤونها على ضوئه خلال الفترة المقبلة، ليكون الشارع الكروي قبل غيره على بينة بـ«أين تقف الكرة السعودية وإلى أين تسير».