قمة الرياض الاقتصادية

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية في عدد من العواصم العربية بدءا من يناير (كانون الثاني) عام 2011، كانت الأحوال الاقتصادية في تلك البلدان، متأثرة بالركود الاقتصادي العالمي، إلا أنه على الرغم من ذلك كانت مؤشرات النمو والانتاج مرتفعة، ومعدلات البطالة أقل مما كانت عليه قبل عقود، ولكن لم تنفع تلك المؤشرات في وقف ما حدث من تداعيات سياسية وأمنية، ثم أعقب ذلك تراجع اقتصادي حاد نتيجة للظروف الانتقالية العاصفة، التي مرت بها تلك البلدان. ووفقا لتقرير صدر أخيرا عن جامعة أوكسفورد فإن تكلفة الإطاحة بأنظمة «الربيع العربي» في مصر وليبيا وتونس بين أعوام 2011 و2015 ، تجاوزت 225 مليار دولار، ما يشكل خسارة بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي، كما يقدره صندوق النقد الدولي عن تلك السنوات. تبرز اليوم أمام الدول العربية، تحديات جديدة لعل أبرزها ارتفاع معدل المواليد في العالم العربي، كما أن نحو 60 في المائة من السكان هم تحت سن الـ30 عاما، أي أن الأغلبية في عالمنا العربي هم من شريحة الشباب، الذين تتفشى بينهم البطالة، مما يضع الساسة وقادة العالم العربي تحت ضغوط لتقديم حلول عاجلة لخفض معدلات التضخم، وإيجاد فرص عمل ملائمة للملايين. ولعل أبرز ما كتب بعد ذلك هو محاولة ربط الانتفاضات بالنظم السلطوية واقتصاداتها المرتبطة بمصالح القائمين على الحكم، بل ذهب البعض إلى القول إن نتائج الانفتاح الاقتصادي، كانت لها أسباب رئيسية في حالة النقمة الاجتماعية التي قادت إلى ما حدث، ولأجل ذلك جادل البعض بأن سياسات صندوق النقد الدولي والوكالات الدولية القائمة على خفض الدعم، وتصحيح الموازنات، لم تأخذ في الاعتبار الطبقات المهمشة والفقيرة في بلدان «الربيع العربي». ولكن على الرغم من وجاهة هذه الحجج، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن اقتصادات الدول العربية، يشوب الكثير منها اختلالات بنيوية، لم تأت فقط من الأنظمة السابقة، بل تعود أيضا إلى عهود الانقلابات العسكرية، التي حولت بلدانها إلى أنظمة ريعية، ابتعدت عن مقومات السوق والانتاج. لذا، قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، في افتتاح الاجتماع التحضيري لأعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية، التي تنطلق اليوم في الرياض أن العالم العربي، شهد خلال العامين المنصرمين عددا من المتغيرات والتحديات، وأنها على الرغم من اتخاذها أشكالا سياسية في ظاهرها «فإن مسبباتها الحقيقية، لا يمكن أن تخطئها العين بأي حال من الأحوال»، حيث قدم الفيصل الأبعاد التنموية والاقتصادية، على المسببات السياسية. ولخص التقرير الصادر عن «اقتصادات الربيع العربي»، والذي أعده معهد الاقتصاد الأفريقي في جامعة أوكسفورد، الحاجة الماسة إلى تطوير القطاع الخاص في تلك الدول، ودفعه بقوة للتعامل مع الأسواق العالمية، معتبرا أن تطوير القطاع الخاص هو تحد سياسي وإقليمي، لإنجاح فكرة التكامل بين اقتصادات الدول العربية. والأمل اليوم أن تخلص القمة الاقتصادية في الرياض، إلى حلول ناجعة ونافذة تكسر حواجز التجارة بين الدول العربية، وتزيل العقبات أمام التبادل التجاري والاستثمار بين مواطنيها.