«الاتحادية»..والمعارضات

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

مؤلمة جدا مناظر الفوضى وألسنة اللهب التي يشاهدها المتابع، بينما تتناهى إلى أسماعه المأساة المتتابعة فصولا خلال الأيام الأخيرة في العاصمة المصرية القاهرة. فمصر لا تستحق إطلاقا أن تنضج تجربتها مع الحكم المدني على نار الفتنة، ومن البديهي أن مصلحتها ومصلحة أبنائها وأمنها واستقرارها أكبر بكثير من ردود فعل هوجاء هنا، وأصابع تعبث من خلف الستار هناك.

إن ما حدث حول قصر الاتحادية، والمواجهات والممارسات المرفوضة أخلاقيا ووطنيا التي سجلت خلال الأيام القليلة الماضية، دفعت الغيارى من مختلف التنظيمات السياسية إلى التنبه لما يمكن أن تنتهي إليه الأمور فيما لو سمح العقلاء للغضب بأن ينفلت، والصراع السياسي بأن ينزلق بعيدا عن السياسة ليسقط في هوة التخريب والرماد.

إن العقلاء في مصر، وهم كثر، يدركون أن انهيار الدولة ليس من مصلحة أحد مهما كانت رهاناته، وهم يعرفون علم اليقين أنه لا استقرار ولا أمان من دون هيبة للدولة.

هذا الواقع يجب أن يكون واضحا لكل الأفرقاء السياسيين في شتى مواقعهم الآيديولوجية والمصلحية. وفي نهاية المطاف لا مصلحة لفريق في تخوين فريق آخر والسعي لعزله، لأن أحدا ليس محصنا إلى ما لا نهاية ضد المزاج الشعبي العام على المدى البعيد. وبناء عليه، على من هم في السلطة اليوم وعلى أولئك الذين يخالفونهم الرؤية استيعاب ظروف المرحلة الهشة والصعبة والتقدم كل منهم خطوة باتجاه الآخر، لأن في غير ذلك مغامرة لا تحمد عواقبها يترك فيها التحكم في الشارع للغوغاء.

وجود المعارضة ضروري لأي نظام يعتبر نفسه ملتزما بالتصويت الشعبي، لكن ثمة وسائل أخرى للمعارضة غير ما رأينا. وفي ما يخص المعارضة نفسها يجب أن تبقى معارضة لا أن تتشتت، بفعل الانسياق العاطفي، إلى معارضات متناحرة متنابذة عديمة القيادة، يستحيل تلاقيها على برنامج عمل تعمل من خلاله، وعلى خطط جدية تطرح على المواطن بهدف تحقيق مطالبه وتحسين أحواله.

هل ما زالت المعارضة المصرية معارضة واحدة يمكن - بل يجب - أن تكون البديل لأي حكم قائم؟ أم أنها غدت معارضات بعضها اعتاد حوار الطرشان والبعض الآخر لا يرغب أصلا في الحوار ولا يفهمه؟

وماذا عمّن هم في السلطة.. أليس من واجبهم هم أيضا فتح المجال أمام حرية التعبير كي لا يضيق الخناق ويطفو العنف على السطح، فنرى كما رأينا مشاهد سحل وضرب وحرق وتدمير وهدم؟

ثم أين المواطَنة في هذا كله؟ المواطَنة عنصر أساسي لا غنى عنه في بناء الدولة. ومع احترام المواطنة وحق الغير في الاختلاف والاعتراض يتشجع المواطن العادي ورجل الأمن، على السواء، على تقبل ممارسات السلطة.

إن أحدا لا يزعم أن الانتفاضات الشعبية على غرار ما شهدته مصر في يناير (كانون الثاني) 2011 تولد ناضجة، إذ من الطبيعي أن تمرّ بفترات من الاضطراب والشك والنزق من جموع ما اعتادت من قبل على التحاور الهادئ المسؤول. لكن عندما تلوح في الأفق ملامح أخطار داهمة يفترض بالجميع التنبه لاحتمال خروج اللعبة من أيدي الجميع. ثم إن مصر ليست جزيرة معزولة، بل هي واسطة العقد في العالم العربي والرقم الصعب في المعادلة الإقليمية للشرق الأوسط، في مرحلة تاريخية من عمره، وقد حاقت به الأطماع وكثر الطامعون.

مصر الوطن بحاجة اليوم إلى من يحبها بصدق، فهل يسمعون النداء؟