بانتظار أولويات «حالة الاتحاد 2013»

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

خلال ساعات قليلة يلقي الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاب «حالة الاتحاد» السنوي، وهو سيكون خطابه الخامس منذ دخوله البيت الأبيض وتجديد ولايته في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

تقليديا، يعد هذا الخطاب من ناحية مناسبة يعرض خلالها الرئيس الأوضاع الحالية في البلاد على شكل تقرير سنوي، ومن ناحية ثانية تتيح له الفرصة لشرح الخطوط الرئيسية لبرنامج عمله التشريعي ضمن إطار التعامل والتفاوض، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، مع ممثلي الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، حيث مقر السلطة التشريعية.

ولقد ورد في الفقرة الثانية من الجزء الثالث في الدستور الأميركي النص على أهمية «حالة الاتحاد» باعتبارها نوعا من الأمر الدستوري الموجه لرئيس الجمهورية؛ «لإطلاع الكونغرس بين الفينة والفينة على حالة الاتحاد (أي الدولة) وتوصيتهم بدراسة إجراءات يُرى أنها ضرورية ومناسبة».

وعبر السنين ناقش الأهمية السياسية لخطاب «حالة الاتحاد» عدد من كبار خبراء العلوم السياسية وأكاديمييها من أمثال جون لويس غيديس، الملقب بـ«عميد مؤرخي الحرب الباردة».

الرئيس أوباما يطل غدا على ممثلي الشعب الأميركي، بمزيج من «التقرير السنوي» لما أنجز خلال السنة الماضية، و«برنامج العمل» الذي يتضمن أولوياته بالنسبة للأشهر الـ12 المقبلة. وما يجمع عليه المطلعون على ما يدور في كواليس واشنطن، أن أوباما سيركز في خطابه على قضيتين رئيسيتين، هما خلق الوظائف (معالجة أزمة البطالة) والاقتصاد، مع العلم أنه خلال الأشهر الماضية أثار عددا من القضايا الأخرى، بينها الحد من انتشار السلاح الفردي، والهجرة، والتغير المناخي، وخفض المديونية.

الرئيس، الذي كان قد انتخب عام 2008 في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية التي عانت منها أميركا كثيرا، ركز دائما وما زال على الموضوع الاقتصادي، لا سيما أن هذا الموضوع كان الشعار الرابح لبيل كلينتون، آخر رئيس ديمقراطي انتخب قبله. وفي خطاب السنة الماضية كان للاقتصاد دور بارز، غير أنه رغم اهتماماته الداخلية فإنه وجد الوقت والمجال لإبراز موضوع «الربيع العربي».

هنا، يمكن القول إنه في حين التزم أوباما بالمبادئ الأساسية لمنظوره في الشأن الاقتصادي، فإنه تراجع كثيرا عن وقفته التي اعتبرها كثيرون «وقفة مبدئية» حيال «الربيع العربي».

لقد اختارت واشنطن خلال الأشهر الـ12 الماضية اعتماد سلبية «النأي بالنفس» عن مشكلات منطقة يجمع مخططو السياسية الدولية الأميركية على أنها من أهم مناطق العالم بالنسبة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة. وبعدما تراجعت إدارة أوباما عن حزمها في موضوع المستوطنات الإسرائيلية فإنها طورت سلبية دورها المتمثل بـ«القيادة من المقاعد الخلفية» كما فعلت في ليبيا، وها هو أوباما يرفض حتى توصيات أركان إدارته، بمن فيهم وزير دفاعه ليون بانيتا، بضرورة تسليح المعارضة السورية لمساعدتها على الصمود أمام قوات نظام الرئيس بشار الأسد، مع أن واشنطن تعرف جيدا حجم الدعم المستمر الذي تحصل عليه دمشق من إيران وروسيا.

أيضا ثمة سلبية واضحة في موقف واشنطن إزاء الوضع الراهن في كل من مصر وتونس، وإزاء الملف الإيراني النووي، والدعم الإيراني لعدد من الحركات المسلحة الناشطة في عدد من الأقطار العربية.

لا شك في أن على رأس أولويات أي رئيس أميركي معالجة المشكلات الداخلية، وبالأخص المعيشية منها، ولكن أمام القوى العظمى أيضا مسؤوليات لا تستطيع أن تتجاهلها. وإذا ما قرر الرئيس أوباما السير قدما في نهج الانكفاء والنأي بالنفس، فإن ثمة قوى جاهزة لملء الفراغ. والسياسة كما يعرف أربابها لا تعترف بالفراغ.