بانتظار زيارة أوباما الثانية

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

يوم 4 يونيو (حزيران) 2009 وقف باراك أوباما، الرئيس الأميركي المنتخب حديثا يومذاك، في جامعة القاهرة ليلقى أول خطاب رئاسي له في دولة عربية، واختار له عنوان «بداية جديدة».

في حينه، كانت إطلالة الرئيس مكللة بالتفاؤل، وكيف لا والرئيس الشاب أفريقي الأصل، ابن كيني مسلم. ثم إن «البداية الجديدة» كانت فكرة واعدة بعد حقبة «الحرب على الإرهاب» في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة.

كان الطرفان، الولايات المتحدة والعالم العربي، في أمسّ الحاجة إلى «بداية جديدة»، تعيد بناء الثقة وترسي دعائم الشراكة والتعاون. غير أن ثمة معوّقات حالت دون استمرار «شهر عسل» النيات الحسنة. فالأوضاع الاقتصادية داخل أميركا فرضت على الرئيس أوباما جعل الاقتصاد وليس السياسة الخارجية على رأس أولوياته، وبالتالي، جرى ترحيل القضايا العالقة التي كان من شأنها مفاقمة العلاقة المتوتّرة أصلا بين البيت الأبيض وخصومه الجمهوريين في الكونغرس حيث تتمتع إسرائيل بنفوذ كبير. وهكذا، تعذّر على واشنطن ممارسة أي ضغط يذكر على القيادة الإسرائيلية في شأن تسوية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية.

غير أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، واستمرار تعطل التسوية السلمية، ما لبثا أن أسهما في إحداث تغييرات مفصلية في منطقة الأوسط. ففي أواخر عام 2010 بدأت إرهاصات التغيير في تونس، وانتشرت شرارة ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» لتطيح أربعة رؤساء عرب في تونس ومصر وليبيا واليمن بحلول 27 فبراير (شباط) 2012.

أما في سوريا، فبادر النظام إلى التعامل مع انتفاضة الشعب السلمية بالطريقة الوحيدة التي يفهمها ويجيدها ألا وهي الرصاص والقتل. وخلال سنتين فقط حصد القمع الدموي أكثر من 100 ألف قتيل، ومعه انكشف عنصر أساسي مستفيد من استمرار تعطيل التسوية السياسية هو الدور الإيراني المتنامي على حساب الإخفاق العربي.

لقد أحسنت إيران استثمار حالة «اللاحرب واللاسلم» في المنطقة لتجعل من ذاتها لاعبا إقليميا نافذا لا تقلقه مواقف واشنطن من ملفه النووي، وفي المقابل، يعمل بقوة على ملء غياب الدور العربي، ويحرص على ديمومة هذا الغياب عبر مزيج من التحريض الثوري والرعاية الطائفية.

خلال الساعات المقبلة، يعود أوباما إلى المنطقة في زيارة ثانية، تأتي أيضا بعد أشهر قليلة من انتخابه لفترة رئاسية ثانية وأخيرة. وهذه المرة التوقّعات من الزيارة أقل بكثير منها في المرة الأولى، لأن العواصم العربية تعلّمت أن لا تفرط في التفاؤل حيث ليس لديها الكثير من وسائل الضغط. ثم أن تردّد مقاربات الرئيس، وضبابية أركان إدارته الجديدة وعلى رأسهم وزير خارجيته الجديد جون كيري، لا تشجّع على ترقب نقلة نوعية حاسمة. ناهيك عن أن الزيارة لن تشمل دول «الربيع العربي» ما يعني ضمنا أنه لا توجد وصفات استراتيجية جاهزة لدى واشنطن.

مع هذا، تبقى في المقابل ثلاث حقائق مشجعة: الأولى، أن الوضع الاقتصادي الأميركي اليوم أفضل بكثير عنه في الزيارة الأولى ما يعني تحرير أوباما من أغلال كثيرة تقيّد سياساته الخارجية. والثانية، أنه يحكم اليوم في فترته الثانية والأخيرة، أي من دون هاجس التجديد. والثالثة، أن حجم التحديات في منطقة الشرق الأوسط ككل بات أكبر من أن يسمح بالتردّد.

تحديات المنطقة، باختصار، تخطت مرحلة العلاج بالمسكنات.