نحن... وإيران

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

التوتر في العلاقات بين إيران وبقية دول الخليج العربية، وحتى بعض الدول العربية غير المطلة على هذا الحوض المائي الملتهب، ليس وليد اليوم والليلة.

لا نريد الإيغال في التاريخ البعيد ولا الوسيط، بل نذكر بالتاريخ القريب، أي منذ نجح رجل الدين الإيراني الشهير آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني، في قيادة تمرد جماهيري وإعلامي أفضى إلى إسقاط عرش الشاه، ونتف ريش الطاوس الساساني، ليحل محله حكم آيات الله.

كان هذا الكلام 1979.. وأدى نجاح الإطاحة بحكم الشاه إلى زلزال سياسي وعاطفي، لم يقتصر على المنطقة بل تعداها إلى العالم كله، في حالة انفعالية تشبه ما شهدناه إقليميا وعالميا مع موسم الاضطراب العربي الكبير منذ ديسمبر (كانون الأول) 2010، بعدما فرض بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي نفسه على تاريخ المنطقة.

بيد أن الأمر في زلزال إيران لم يقتصر على الجانب العاطفي والميل المثالي لثورة قدمت نفسها إلى العالم باعتبارها ثورة الثورات، وتغنى بها فلاسفة غربيون، مثل الفرنسي ميشال فوكو، فعلى الأرض كانت الصورة أكثر واقعية بالنسبة لدول الخليج والعراق، حيث شهدت المنطقة مدا راديكاليا للحركات الأصولية السياسية، خصوصا، لا حصرا، منها الشيعية، حيث كانت صولة الثورة الإسلامية برعاية آية الله الخميني وقودا لحركات وأحزاب مثل: الدعوة، وحزب الله. وكان لدول الخليج نصيبها من هذه النار، إن بشكل مباشر مع الدولة الإيرانية في عهدها الثوري، أو بشكل غير مباشر مع الحركات والتيارات المنضوية تحت الخيمة الثورية الإيرانية.

كل عام منذ 1979 لدينا أزمة أو أكثر في المنطقة، غالبا يكون لإيران ضلع فيها، هذا ما لم نتحدث عن الحرب الطويلة مع العراق.

لدينا حرب الناقلات في الخليج، وحرب الطائرات، وتفجير المنشآت النفطية في شرق السعودية، وتفجيرات المقاهي في الكويت، وضرب موكب أميرها، وخطف الطائرة الكويتية، وأحداث حج 1987، وهجمات نفق المعيصم المريعة في موسم حج 1990، وأكثر من كشف لمتفجرات مهربة مع حجاج إيرانيين، بعلمهم أو من دونه ربما، وتفجيرات أبراج الخبر 1996 التي يعرف الجميع أن عناصر محسوبة على إيران كانت خلفها، إلى شبكات التجسس المقبوض عليها في الكويت والبحرين واليمن. والأخيرة لم يقتصر الأمر فيها على التجسس، بل وصل إلى تدفق السلاح ودعم الحوثيين، مرورا باستهداف السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير من قبل عناصر تابعة للأمن الإيراني، ووصولا إلى شبكة التجسس الخطيرة التي كشفت عنها السلطات السعودية قبل عدة أيام.

كل هذه المعطيات وغيرها، تكشف عن «منهج» إيراني مستمر في الهجوم الأمني والسياسي والإعلامي على منطقة الخليج والجوار العربي، إما بغرض تصدير الثورة، أو بغرض مشاغلة الغرب ومقايضته بالاستقرار الإقليمي، أو بغرض تصدير أزمات داخلية في إيران.

في النهاية، إيران دولة كبيرة تمثل تاريخا عريقا وثقافة شامخة في المنطقة، كما أنها تشكل وزنا في سوق الطاقة العالمي، وبالتالي فإن الحوار والتفاهم معها أمر حتمي في نهاية الأمر، ليس لأسباب أخلاقية وحسب، بل لأسباب عملية للجميع على ضفتي الخليج، ولكن هذا بشرط ألا يكون على أمن وسلامة وسيادة دول الخليج.