لبنان: ثمن التأليف

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

جاءت السهولة الاستثنائية في تسمية الرئيس المكلف تمام سلام لتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة تطورا مشجعا بعث التفاؤل في نفوس اللبنانيين.

ومع أن المثل الغربي الواقعي يقول «مرور طائر سنونو واحد ليس دليلا على حلول الربيع»، فإن اللبنانيين، ومن خلفهم العرب، ارتاحوا على الأقل لما يأملون أن يكون بداية حلحلة لعقدة بين مجموعة من العقد الإقليمية المتفاقمة التي تتصدرها هذه الأيام العقدة السورية وما يحيط بها.

الأسبوع المنصرم انتهى لبنانيا بتفاؤل غير معهود بإمكانية إعلان تشكيلة حكومية خلال منتصف الأسبوع الجاري، وهذا على الرغم من التفاوت في مطالب الكتل النيابية التي التقاها سلام في سياق مشاوراته، ومنها ما يبدو تعجيزيا.

وإذا صحت توقعات المتفائلين، فإن إنجاز التأليف يبشر بتبلور إدراك حقيقي داخل لبنان وخارجه بأهمية ضبط الوضع اللبناني أولا، كخطوة ضرورية لإبعاد البلاد عن ألسنة لهب الأزمة السورية التي تهدد حاليا بتجاوز حدود سوريا بكل ما تضمه من عوامل التفجير الطائفي والتلاعب الدولي.

ويوجد على أرض لبنان اليوم، في الذكرى السنوية الـ38 لاندلاع الحرب اللبنانية، وفق التقديرات الموثوقة، أكثر من مليون نازح سوري. وهذا يعني بكل بساطة أنه في بلد يقدر عدد سكانه بأربعة ملايين نسمة، ويعاني أصلا من ضائقة معيشية ناتجة عن الانسداد السياسي، هناك الآن عبء إنساني واقتصادي إضافي يفرضه الوجود الطارئ لما يعادل خمس عدد السكان.. يحتاجون إلى المأوى والمأكل والمشرب والطبابة والتعليم وغيرها من المرافق.

ثم هناك البعد الأمني، وهذا البعد ذو شقين: الأول، يتصل مباشرة بوجود مليون مقيم إضافي محتاج مع ما يصاحب ذلك من احتكاكات واستغلال لحساسيات وتوترات قد تخلف تداعيات أمنية. والثاني، يتعلق بتورط أطراف لبنانية في الصراع الدامي الدائر في سوريا.

والواضح أن التأخر الدولي المقصود في حسم الأزمة السورية أدى إلى فتح ساحتها أمام آفة الشحن الطائفي، ومن ثم تحويل الوضع من «ثورة شعبية» أطلقها شعب أعزل انتفض ضد الطغيان إلى «مشروع حرب أهلية» يهدف إلى ترتيب الأجواء المؤاتية لعقد صفقات استراتيجية فوق أنهار دماء وأشلاء وطن.

الخطر الجدي لهذا «المشروع» أكدته بالأمس الحصيلة الهزيلة لاجتماع وزراء خارجية «مجموعة الثماني» في لندن. وتؤكده أيضا التقارير المتزايدة عن سقوط قتلى عراقيين، بعد القتلى اللبنانيين، أثناء «تأديتهم واجباتهم الجهادية» دفاعا عن الأماكن الشيعية في سوريا، وفي المقابل، التنامي المقلق لدور الفصائل الجهادية والأصولية السنية - تحت مختلف المسميات - ما أدى إلى توفير المبرر لتخلي المجتمع الدولي عن الشعب السوري والإحجام عن دعم ثورته.

أمام هذه الخلفية المؤلمة لا بد أن يكتشف العقلاء من اللبنانيين أن لا ملاذ لهم في نهاية المطاف سوى وطنهم، وأن الفرصة لم تفُت بعد لإبعاده عن نيران الفتنة التي تذر بقرنها عبر الحدود.

وبناء عليه، كلما سهل ساستهم مهمة تمام سلام في تأليف حكومته الإنقاذية، التي اختار لها مسبقا اسم «حكومة المصلحة الوطنية»، تعززت فرص وقف انزلاق لبنان نحو الهاوية، وربما بدء احتواء تداعيات الأزمة السورية.