الإرهاب: من الطائرات إلى الطناجر

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

استخدم الإعلام الأميركي تعبير «أضخم هجمات منذ 11 سبتمبر 2001» على الأراضي الأميركية في وصف التفجيرين اللذين استهدفا «ماراثون بوسطن» الشهير في مدينة بوسطن الأميركية واللذين حملت مسؤوليتهما إلى شقيقين من الشيشان.

بين اعتداءي «سبتمبر 2001» و«ماراثون بوسطن» فترة زمنية تبلغ نحو 12 سنة لم تشهد فيها الولايات المتحدة تقريبا أي اعتداء من هذا النوع على أراضيها، لكنها أحبطت عشرات المؤامرات الإرهابية الكثير منها مدعوم من التنظيم نفسه الذي خطط ونفذ هجمات 11 سبتمبر، أي «القاعدة». وفي المقابل، شنّت أميركا مدعومة من الدول الصديقة والحليفة حربا لا هوادة فيها على الإرهاب كانت معظمها خارج أراضيها، مع العلم أن ليس أميركا وحدها استهدفها الإرهاب، بل تعرّضت لنماذج قاتلة منه وما زالت تتعرض دول أخرى، بينها دول عربية.

وبين الاعتداءين فارق كبير يجب أن تستخلص منه الدروس والعبر. ففي حال «11 سبتمبر» خططت العملية مجموعة من الشباب المضلَّل، بدعم شبكة تمويل معقدة شملت تعلّم الطيران والإقامة في الولايات المتحدة لفترة ليست قصيرة، والسفر بين عواصم عالمية لترتيب الهجمات بأربع طائرات ركّاب هاجمت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في ضواحي واشنطن. ولقد نجحت ثلاث منها في الوصول إلى أهدافها، بينما أخفقت الرابعة التي سقطت بركابها الأبرياء في الريف. وكانت الحصيلة في نهاية اليوم آلاف القتلى والجرحى وصدمة دولية غيّرت شكل العالم وطريقة تصرفه وسياساته مع التهديدات الإرهابية حتى اليوم. أما في بوسطن فكانت الوسيلة المعتمدة في التفجيرات طناجر ضغط كتلك المستخدمة في المنازل حشيت بمسامير وقطع حديدية حادة. والظاهر أن المتهمَين في بوسطن لم يجدا سوى طناجر ضغط أعدّاها، ربما في منزلهما، مستفيدين من وصفات تصنيع القنابل والمتفجرات على شبكة الإنترنت.

وهذا يعكس التراجع الذي تعاني منه الآن موارد الإرهاب منذ «11 سبتمبر» حتى الآن. اليوم ما عادت ملايين الماضي متاحة. والفضل الأساسي يعود إلى سياسة تجفيف منابع تمويل الإرهاب. تجفيف المنابع كان ناجعا لدرجة التحول من استخدام الطائرات كعبوات متفجرة، إلى تفخيخ طناجر الضغط، ولكن مع هذا ينبغي مواصلة هذا المسار ليشمل أيضا ما يصح تسميته المنابع الفكرية للإرهاب.

من ناحية أخرى، كان لافتا النضج والوعي الكبيران اللذان أظهرهما الساسة الأميركيون، من الرئيس باراك أوباما حتى أصغر مسؤول محلي في بوسطن. الكل حرصوا على التمهّل قبل الكلام عن «هجومين إرهابيين»، وأحجموا عن توجيه الاتهام إلى مجموعة أو جهة معينة، على الرغم من عادة الإعلام الشعبي تعجّل الحصول على تلميح أو اتهام أو سبق صحافي ولو عن طريق الإشاعة. وامتد ضبط النفس وتوخي الحذر المسؤول إلى معظم وسائل الإعلام الأميركية التي توخت الحذر قبل التحدث عن جنسيات المتورطين في التفجير وهوياتهم.

ولكن ربما الدرس الأكبر، الذي على العالمين العربي والإسلامي تعلّمه من رد فعل الشارع الأميركي، هو التصدّي لمحاولات ضرب النسيج الاجتماعي بتعزيز التضامن والتلاحم بين مكونات المجتمع. هذا هو الرد الأقوى على العابثين بأرواح الأبرياء والمراهنين على سلاح الفتنة والتفرقة والتخريب.

هيئة التحرير