اختبار 30 يونيو

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

كل الشواهد تدل على أن مصر أمام اختبار صعب في 30 يونيو (حزيران) الموعد الذي حددته المعارضة لاحتجاجات ستتوجه إلى قصر الرئاسة من أجل المطالبة برحيل الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وذلك في تاريخ يتوافق مع الذكرى السنوية الأولى لانتخاب الرئيس محمد مرسي.

مظاهر الاستقطاب والتخندق واضحة بين القوى السياسية المصرية التي شكلت المشهد بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وإطاحة النظام السابق، وشهدت بعدها البلاد مرحلة انتقالية مضطربة عاصفة بالأحداث وعدم الاستقرار كانت بدايتها بالخلاف حول ما إذا كان سيجري الاتفاق على الدستور أو إجراء الانتخابات أولا، وثبت للجميع أن خيار الانتخابات أولا من دون أرضية يتفق عليها الجميع ويرتضونها هو الذي قاد إلى هذا الانقسام العميق المستمر حتى اليوم.

وقد تحمل الاقتصاد عبء هذا الاضطراب لمدة عامين ونصف العام استنزفت فيه احتياطياته الأجنبية وتوقفت مصانع وتضررت السياحة والاستثمارات، وتشير التقديرات إلى أنها أيضا قد تصل إلى نقطة فارقة كارثية لو استمر الاضطراب خلال أشهر قليلة.

وكان المؤمل بعد أول انتخابات رئاسة جرت بعد 25 يناير، أن يكون هناك قدر من التوافق والتفاهم بين القوى السياسية والمجتمعية المتصارعة على أرضية مشتركة تجعل عبور المرحلة الانتقالية أكثر سهولة، لكن العكس هو الذي حدث، فقد تصاعدت الخلافات والتباينات السياسية، وكانت الحالة السياسية أشبه بحوار الطرشان لا أحد يستمع لأحد، وإذا جرى حوار فإنه يكون بين قوى متوافقة وليس قوى مختلفة تحتاج الحوار لكي تتفاهم.

وظلت بوادر الغليان تتصاعد في الأشهر الأخيرة مع افتقاد لغة مشتركة للحوار والانقسام السياسي الذي تعمق ووصل إلى نقطة اللاعودة، حتى وصل الأمر إلى حملة جمع التوقيعات من جانب حملة «تمرد» التي يتردد أنها جمعت 15 مليون توقيع حتى الآن، وجرى الرد عليها بحملة مضادة غالبيتها من أنصار تيار الإسلام السياسي وسميت بـ«تجرد»، وذلك في مظهر آخر لأسلوب كان سمة غالبة على تحركات القوى السياسية تجاه بعضها.. مليونية ضد مليونية، ومظاهرة أمام مظاهرة حتى لو انتهى الأمر بالدم. بعبارة أخرى استعراضات قوة في الشارع لكن ليست هناك سياسة.

الآن نحن أمام لحظة فارقة ومشهد يبدو أن هناك حالة تحسب وترقب له مع عمليات التسخين التي تجري في الشارع من قبل الموالين للحكم والمعارضين له والراغبين في إرسال رسائل بأن لديهم اليد الأطول في الشارع. وهي حالة ليست صحية في مجتمع نسيجه واحد، ويشترك في قارب واحد إذا غرق فسيغرق الجميع معه.

المقصود بالتحذير من اللحظة الفارقة ليس التقليل من أهمية الخلافات السياسية العميقة القائمة، فلا أحد يستطيع تجاهل أهمية الوصول إلى صيغة سياسية ترضي قلق فئات واسعة في المجتمع من المسار الذي تأخذه البلاد، فهذا هو الطريق إلى الأمام، كما أنه لا أحد يستطيع تجاهل شكوى بعض القوى من عمليات الإقصاء، لكن المقصود هو عبور هذه اللحظة بأقل خسائر ممكنة من دون الإضرار بمقومات الدولة نفسها أو حدوث عنف يؤدي إلى إراقة دماء.