مصر ما بعد مرسي

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

أعطى الرئيس المصري المعزول محمد مرسي فرصا كثيرة لتصحيح الأوضاع خلال سنة من حكمه، غير أن امتناعه، أو عجزه عن ذلك أدى إلى توحيد تيارات المعارضة ضده، ومن ثم وقوف ملايين المصريين طحنتهم البطالة وسحقهم الفقر والتهميش وتدني الأجور أمام غلاء الأسعار وانهيار الخدمات والمرافق العامة، في جبهة موحدة ضده قبل يوم 30 يونيو (حزيران) الماضي.

بداية، لا بد من الاعتراف - بل يجب الاعتراف - بأن مرسي جاء إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع، وإن بنسبة 51 في المائة، وبالتالي، كان من حقه أن يتمتع بفترته الرئاسية كاملة، غير أن الاحتقان والانقسام الذي وصلت إليه مصر في خلال سنة من حكمه، كانا أكبر من أن يواجهه الرئيس المعزول والقوى الداعمة له والمرتبطة به، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

لقد ارتكب الرئيس مرسي خلال الأشهر الـ12 الماضية أخطاء يجوز وصفها بـ«القاتلة»، بدأت بتمرير الدستور ولم تتوقف عند سوء الإدارة ومحاولات «أخونة» مؤسسات الدولة. وكانت هذه الأخطاء كفيلة بإحداث صدع كبير بين جماعة الإخوان وباقي القوى المدنية والسياسية أمام خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتراجع الاستثمارات والسياحة مقابل ارتفاع معدلات البطالة، ثم إن جهات كثيرة داخل مصر وخارجها اتهمت حكم مرسي بتهميش الكثير من الفئات المجتمعية التي أسهمت بصنع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2001، الأمر الذي أسهم في انضمام فئات جديدة إلى حركة «تمرد»، ما رفع سقف التوقيعات المليونية التي قادت الانتفاضة الشعبية الأخيرة عليه، وسحبت البساط من تحت تفويضه الانتخابي.

ولم يساعد الخطاب الأخير الذي ألقاه مرسي ردا على احتشاد عشرات الملايين من مناوئيه على امتداد مصر في تنفيس الاحتقان، بل على العكس جاء استفزازيا وتحدى مشاعر المناوئين بدلا من استيعابهم وتبديد مخاوفهم ومحاولة التوصل معهم إلى قواسم سياسية مشتركة. ومن ثم، فرط مرسي من تلقاء نفسه بآخر فرصة لإعادة فتح طريق الحوار البناء، فازداد احتقان الشارع، وبالتالي اضطرت القوات المسلحة المصرية إلى التحرك.

هنا، ينبغي تذكر حقيقتين واقعتين، هي أن القوات المسلحة المصرية رفضت في يناير 2011 الوقوف ضد الشعب عندما هب ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك، ثم إنها بعد انتخاب مرسي بغالبية شعبية مطلقة احترمت قرار الشعب فلم تتحد الرئيس على الرغم من إعفائه أعلى قادتها. كذلك فإن القوات المسلحة كانت وما زالت تعتبر نفسها صمام أمان مصر، وحامية استقرارها ووحدتها الوطنية، وهي لم تتحرك ضد حكم مرسي إلا بعدما اكتشفت استحالة التوفيق بين رئيس قرر المضي بالمواجهة حتى النهاية، وشارع فقد الثقة نهائيا بجدوى الحوار مع الرئيس. طبعا، كثيرون اليوم يشعرون بخيبة الأمل لوصول تجربة الديمقراطية في مصر إلى مثل هذا الحائط المسدود، ولكن تأكيد القوات المسلحة أن لا رغبة لديها في الاستحواذ على السلطة، وما قاله الرئيس الانتقالي المستشار عدلي منصور بعد أدائه اليمين القانونية أمام المحكمة الدستورية العليا الخميس الماضي، من شأنهما طمأنة الحريصين على الحكم المدني الديمقراطي، فالرئيس الانتقالي شدد في خطابه الأول بعد أدائه اليمين على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة «بإرادة شعبية حقيقة»، واعتبر أن ما حدث ليس انقلابا، بل خطوة لجمع الشعب كله والتعبير عن طموح الأمة. ثم تعهد بأن حق التظاهر السلمي وحق التعبير الحر عن الرأي مكفول للجميع، وأن ليس هناك أي نية للانتقام من أحد بما في ذلك رموز السلطة ممثلة بقيادات حزب الحرية والعدالة الذي هو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وعليه، ما زالت هناك فرصة لنهوض مصر معافاة ومدنية وديمقراطية، وما زالت هناك حاجة إلى جعل هذا النهوض المطلب المشترك لجميع القوى على الساحة المصرية.