لبنان.. والفاتورة السورية المكلفة

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

علاقات الكيان اللبناني بـ«شقيقه» الكيان السوري علاقة إشكالية منذ رسمت حدود الكيانين عام 1920، في أعقاب إلغاء الولايات العثمانية القديمة التي كانت قائمة قبل الحرب العالمية الأولى.

وفي حين اعتبر فريق من اللبنانيين «لبنان الكبير» – أي الكيان الحالي المؤسس عام 1920 – وطنا نهائيا على أي نظام حاكم في دمشق الاعتراف بشرعيته ونهائيته، كان هناك فريق آخر يرفض الاعتراف بحدود رسمها الانتداب الأجنبي، ويرى فيه مؤامرة لتقسيم الأمة (السورية أو العربية أو الإسلامية). واستمر الانقسام بين اللبنانيين، صعودا وهبوطا، متأثرا إما بسوء إدارة النخب السياسية اللبنانية ملفاتها الطائفية والمصلحية، أو برياح التغيير الإقليمية والدولية.

وكان أبرز رياح التغيير الإقليمية نكبة فلسطين التي أدت لتهجير عشرات ألوف الفلسطينيين إلى لبنان، وتجنيس بعضهم بالجنسية اللبنانية مقابل ترك آخرين من دون جنسية لأسباب أهمها الاعتبار الطائفي. ثم المد الناصري في مصر خلال منتصف خمسينات القرن الماضي أمام خلفية الحرب الباردة. ولاحقا جاءت نكسة يونيو (حزيران) ومعها ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة. ثم توالت التحديات الأخرى، ومنها وفاة جمال عبد الناصر وتراجع النفوذ السوفياتي بعد 1973، ثم تفجّر الثورة الخمينية في إيران، وبعدها اندلاع «الحرب العراقية الإيرانية الأولى» وما خلفته من استقطابات فئوية في المنطقة... كل هذه الأحداث كان لا بد أن تهزّ في العمق كيانا هشا مثل الكيان اللبناني، وتهدّد عافيته الاقتصادية القائمة أصلا على قطاع الخدمات، والمستندة دائما إلى منافع الاستقرار الإقليمية.

اليوم يجد اللبنانيون أنفسهم مرة أخرى ضحايا تناقص نقاط التلاقي الوطني داخليا، ورهائن داخل بلدهم لاستقطاب فئوي إقليمي لا قدرة لديهم على لجمه في ظل انعدام الحصانة أو المناعة الناجم عن تناقص نقاط التلاقي الوطني، أو باختصار ضعف الوحدة الوطنية.

لبنان، الذي تحده سوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، يشكل اليوم الحلقة الإقليمية الأضعف في المنطقة، للأسباب التالية:

- تورّط لاعبين لبنانيين أساسيين بصورة مباشرة وعلنية في الحرب السورية، في انتهاك فاضح لـ«إعلان بعبدا» الذي ينص على إبقاء لبنان بمنأى عن اللهب السوري ومخاطره على الداخل اللبناني، ولا سيما التوتر السنّي – الشيعي.

- انعكاس هذا التوتر في التأخر الكبير في تشكيل الحكومة التي كلف تمام سلام تشكيلها يوم 6 أبريل (نيسان) الماضي، وتنامي الشكوك بعد ضرب ظاهرة أحمد الأسير في صيدا وتفجير بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت.

- الانهيار الفعلي لموسم الاصطياف الذي يشكل عصب حياة للاقتصاد اللبناني المتعثر، وتدل عليه الأرقام المفزعة لنسب حجز الفنادق وتراجع الإقبال على المهرجانات السياحية الموسمية، بالإضافة إلى بدء دول الخليج التدقيق في أوضاع بعض اللبنانيين العاملين في أراضيها.

- تعذّر احتواء التشقّقات الحاصلة في كتلة «8 آذار» بين مكوّنه الشيعي الرئيس المتمثل بحزب الله وحركة «أمل»، وأكبر المكوّنات المسيحية «التيار العوني»، اللذين تحالفا في الأساس لأسباب تكتيكية موحى بها من دمشق وطهران، وانطلاقا من مصلحة مرحلية مشتركة ضد الفريق اللبناني الآخر أي تجمع «14 آذار» الاستقلالي التوجه.

فاتورة الأزمة السورية مكلفة للسوريين في المقام الأول، لكنها مكلفة أيضا للبنان واللبنانيين.