تحديات الحكومة المصرية الجديدة

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

أدت الحكومة المصرية الانتقالية برئاسة الدكتور حازم الببلاوي، وتضم 33 وزيرا، اليمين القانونية يوم 16 يوليو (تموز) الحالي أمام رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور. ويرى المراقبون أن تشكيل الحكومة المؤقتة في مصر يأتي خطوة على طريق الحد من العنف والصراع في هذا البلد، وتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة وإنعاش الاقتصاد الوطني بعد فترة صعبة. ومن العوامل التي تشجع على التفاؤل في المجالات المذكورة أن الحكومة الانتقالية الجديدة تضم طيفا واسعا من الفئات، مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء، كلهم على مستوى عال من الكفاءة والمهنية، غير أنها في المقابل لا تضم وزراء من الأحزاب والحركات الإسلامية في مصر، وبالتالي، تشكل العلاقات المتوترة مع القوى الإسلامية أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة.

جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية «حزب الحرية والعدالة»، والقوى الإسلامية الأخرى المتحالفة معها، ترى أن هذه الحكومة الانتقالية، بل السلطة الانتقالية ككل، تفتقر إلى «الشرعية»، ويشكل هذا الرفض معوقا قد يعرقل أداء هذه الحكومة، وسيرهق كاهلها بأعباء هي في غنى عنها مع انهماكها في عملية إعادة تأهيل مصر اقتصاديا وتنمويا، وفي مقدمها تأمين حاجات المواطن المصري الحياتية اليومية في ظل تفاقم عجز الموازنة بشكل غير مسبوق، حيث زاد الدين الداخلي والخارجي إلى أرقام فلكية وتراجع مستوى الخدمات وانهيار القطاع السياحي. ولقد أدركت الدول العربية - والخليجية بالذات – كم مصر بحاجة إلى جرعة من الثقة بالنفس والبنى التحتية للاقتصاد، فكان ضخ ثلاث دول خليجية (السعودية والإمارات والكويت) ما مجموعه 12 مليار دولار إجراء عاجلا وضروريا لإبعاد شبح الإفلاس مؤقتا، وذلك بعدما توقعت مرجعيات دولية مطلعة حصوله في غضون أشهر قليلة.

من التحديات المهمة أيضا، تمكن الحكومة الانتقالية، في أعقاب معالجتها الوضع المعيشي الداخلي، من التصدي بنجاح للوضع الأمني الخطر في سيناء، بما له من امتدادات وتشعبات إقليمية مقلقة. وحقا، لم تتردد القوات المسلحة في التعامل بجدية مع الزمر المسلحة في شمال سيناء من منطلق إدراكها استحالة التعايش مع الإرهاب، وتعذر بناء دولة لا تستطيع حماية أبنائها وحدودها.

ومن التحديات التي لا يجوز الاستهانة بها، نجاح الحكومة الانتقالية الجديدة في إعادة ثقل مصر عربيا وإسلاميا ودوليا إلى خريطة الشرق الأوسط، ولا سيما أن قوى إقليمية طموحة وجدت ما يكفي من منافذ لتمد نفوذها وتبني لها مواطئ قدم في عدد من أنحاء العالم العربي من العراق إلى اليمن مرورا بغيرهما من دول المنطقة. ولئن كان رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة احترام حقوق الفلسطينيين وروح القرارات الدولية بشأن الأراضي العربية المحتلة - واقعا مؤلما هدد مكانة مصر الإقليمية طويلا، جاءت المطامح الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان ومنطقة الخليج لتذكر الجميع بحاجة العرب إلى مصر وحاجة مصر إلى العرب. وأخيرا وليس آخرا، جاءت تجربة تركيا تحت حكم الإسلام السياسي، ورد فعلها السلبي من خطوة 30 يونيو (حزيران) الهادفة إلى وقف الاستقطاب السياسي الحاد وتنافر «المليونيات» في الشوارع، أيضا - تنبيها إلى أن منطقة الشرق الأوسط، وبالذات، شرق المتوسط، بأمس الحاجة إلى مصر قوية واحدة وموحدة.

ليس بوسع العالم العربي بعد اليوم أن يهجر هويته العربية ومصالحه العربية، وأن يظل صامتا على تمزقه الداخلي بينما هناك قوى إقليمية، صديقة كانت أم معادية، غير عربية تنتهز الفرصة تلو الفرصة لتنهش النفوذ على حسابه وحساب مستقبل أبنائه.