الواجب تجاه الأردن

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

خلال الأسبوع الماضي أضاف الجنرال مارتن دمبسي رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية ذريعة جديدة لتبرير التقاعس عن تقديم الدعم الضروري للانتفاضة الشعبية السورية، هي أن أي تدخل يهدد بتحويل سوريا إلى «دولة فاشلة»! وهذا الكلام يعني عمليا أن سوريا ما زالت «غير فاشلة» بعد نحو سنتين ونصف السنة من القتل والتدمير تجاوز عدد الضحايا فيها الـ100 ألف قتيل، وفق أرقام الأمم المتحدة الرسمية قبل أيام، علما أن جهات مطلعة أخرى تضعه أقرب إلى ضعفي هذا العدد.

الواقع المرير أن سوريا أضحت حقا «دولة فاشلة»، وهذا المصطلح ربما يصدق أيضا على بعض الدول المتاخمة لسوريا، حيث يتعذر تشكيل الحكومات وتتعادى القيادات ويصدر بعضها بحق البعض الآخر أحكام الإعدام، وتتكاثر الميليشيات العرقية والدينية والطائفية، وتتحول أجزاء من أرض الوطن إما إلى «مناطق محررة» وإما إلى «أحياء محاصرة» وإما إلى «مربعات أمنية».

دولة واحدة ما زالت متماسكة وصامدة في وجه هذه الفوضى التمزيقية، هي الأردن.

دولة الأردن، الماضية قدما في الإصلاح السياسي والديمقراطية، تشكل الاستثناء مع أنها الأضعف اقتصادا والأفقر بالموارد الطبيعية. أما السبب، فالسياسة الحكيمة التي تثمن أهمية الاستقرار والتنمية. هنا أولويات الحكم تستند إلى تأمين حاجات دولة يدرك سكانها طبيعة التحديات الوجودية التي تحيط بها منذ تأسيسها. وبالتالي، عملت القيادة الأردنية، ولا سيما خلال العقود القليلة عندما عصفت بالمنطقة رياح اضطراب سياسي وأمني واقتصادي عاتية، على التفهم والتفاهم والأناة وامتصاص الاهتزازات الإقليمية.

هذه السياسة جنبت الأردن الويلات التي حلت بلبنان فدمرت بين 1975 و1990 بناه التحتية وقتلت وشردت مئات الألوف من أهله، ثم جاءت أحداث 2005 المستمرة تداعياتها المدمرة للاستقرار حتى الساعة. وكذلك ما حل بالعراق منذ إلجام مغامرة احتلال الكويت، ثم حرب إسقاط حكم صدام حسين وسقوط العراق بين مطرقة الطموح التوسعي الإيراني وسندان التنافر الفئوي الداخلي الذي بات يهدد وحدته الوطنية كما لم تهدد من قبل. وأخيرا وليس آخرا، ها هو الجرح السوري النازف بعدما اختار النظام محاورة شعبه بالرصاص الحي، ثم القمع الوحشي وتدمير المدن على رؤوس سكانها والابتزاز بالتقسيم الطائفي والفرز العرقي.

المأساة السورية خلقت كارثة حقيقية للأردن.. فبخلاف الأزمة الاقتصادية الخانقة الناجمة عن تعطيل تجارة الترانزيت، والنقل، والسياحة الإقليمية، تتفاقم اليوم معاناة الأردن مع الشق الإنساني من تلك المأساة. فعدد اللاجئين السوريين يساوي اليوم عشر سكان البلاد، بل إن مخيم «الزعتري» غدا، رسميا، ثاني أكبر مخيم لاجئين في العالم. هذا خبر مقلق جدا، وبالأخص نظرا إلى الوضع الاقتصادي الحرج للدولة التي تحتضنه، ولوقوع المخيم على مسافة كيلومترات قليلة من الحدود السورية - الأردنية، وتزايد التقارير عن اندساس جماعات تزعم أنها لاجئة لافتعال أحداث مخطط لها وارتكاب جرائم داخل المخيم وخارجه في المدن الأردنية.

الأردن يستحق اهتماما بالغا من الدول العربية الشقيقة، لأنه يشكل مساحة استقرار لا خيار إلا بصونها وتحصينها. وصمود الأردن الاقتصادي خطوة لا بد منها لضمان استقراره السياسي والأمني، ثم إبقائه خارج «طوق الدول الفاشلة» و«المشارفة على الفشل».