السعودية ومكافحة الارهاب

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

قد لا تكون هناك دولة خاضت حربا متواصلة بثبات ضد الأرهاب والفكر المتطرف مثل السعودية التي اكتوت بناره على ارضها وواجهته بشجاعة، ليس فقط بالاجراءات الامنية، ولكن بمقارعة الفكر المنحرف بالفكر الأصيل الصحيح، وبرامج المناصحة، ومحاصرة المحرّضين والمغرِّرين بعقول الشباب، وتجفيف المنابع المالية التي تموله. وتحقق ذلك في إطار استراتيجية شاملة كان من ابرز مميزاتها انها لم تغلق الباب امام مَن يريدون مراجعة ضمائرهم، ويودون العودة الى المجتمع كمواطنين صالحين.

منذ سنوات ادركت الحكومة السعودية ان الارهاب ظاهرة اممية تستدعي مواجهتها تعاوناً دولياً. فالارهابيون يتحركون عبر الحدود وتربطهم اتصالات اجرامية في ارجاء المعمورة، ولذلك كانت الرياض تدعو دائما الى تعاون وتنسيق دولي في اطار «مؤسَّسي» لمواجهة تحركات الارهابيين وخططهم الاجرامية.

وحقاً جاء إنشاء «المركز الدولي لمكافحة الإرهاب» التابع للأمم المتحدة في سبتمبر (ايلول) 2012، بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ليبلور فكرة التعاون والتنسيق الدولي في مواجهة الارهاب تحت مظلة أممية. وتأكد الالتزام السعودي مجدداً بمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الثانية بمناسبة عيد الفطر هذا العام عبر التبرع السخي بمبلغ مائة مليون دولار لدعم المركز وتفعيل نشاطه. ولقد اكد خادم الحرمين، بهذه المناسبة، على اهمية تفعيل المركز ليكون العاملون فيه من ذوي الدراية والاختصاص بحيث يتيسر تبادل الخبرات وتمرير المعلومات بشكل فوري يتفق مع سرعة الأحداث.

والرياض تدرك مدى أهمية تبادل المعلومات بالسرعة الكافية من اجل احباط المخططات الارهابية. فهي كانت وراء احباط العديد من المخططات الارهابية الدولية في الولايات المتحدة واوروبا ودول اخرى، نتيجة المعلومات التي قدمتها في وقت حساس، باعتراف مسؤولين أميركيين واوروبيين كبار، بينها شحنة الطابعات المفخخة التي كانت ستنقل على طائرات شحن متوجهة الى اميركا.

هذا التنسيق، او التعاون، على مستوى ثنائي او متعدد الاطراف، كانت له نتائجه الناجحة في احباط مخططات عقول مريضة تتفنن في تطوير اساليبها في التفجير والتفخيخ. لكنه مهما بلغ من نجاح سيظل محصوراً في اطار الدول التي تبادر بالتعاون والتنسيق. وبالتالي، فإنه يحتاج الى اطار «مؤسّسي» دولي يشمل كل الدول الاعضاء في الأمم المتحدة من خلال «المركز الدولي لمكافحة الارهاب» حتى يكون حصار هذا الاجرام شاملا.

إن الارهاب، للأسف، على الرغم من الضربات التي تعرض لها على مدار العقدين الماضيين اثبت قدرته على التكيّف والتلون واستغلال بؤر التوتر والمشاكل في العالم لينفث سمومه، ويغرّر ببعض العقول. ولقد رأينا كيف استغلت جماعات التطرّف الاحداث الأخيرة، والمشاكل السياسية في بعض الدول العربية، لفتح جبهات جديدة وخلق بؤر تمركز تنشر من خلالها شرورها اعتماداً على ضعف السيطرة الامنية او حالات الفوضى. لقد ادت السعودية ما عليها لدعم «المركز» وتفعيل نشاطه وتدوير عجلته، والمطلوب الآن ان تلحق بقية الدول الاعضاء في المنظمة الدولية بريادة الرياض، فتعي مسؤولياتها وتؤدي واجبها في دعم مركز سيتسفيد منه الجميع.