سوريا.. بين الألم والأمل

افنناحية الشرق الاوسط

TT

إنها لساعات عصيبة يعتصرها القلق والألم على بلوغ الأوضاع في سوريا ما بلغته؛ إذ ما كان ضروريا ولا حتميا أن تصم الآذان وتصمت السياسة لتتكلم آلات القتل. ولا كان السوريون بحاجة إلى اختبار سياسة «العصا الغليظة» وفقدان عشرات الألوف من أهلهم وأحبائهم ودمار مدنهم العامرة وأريافهم الطيبة.

أبدا، ما كانت المكابرة الوصفة المناسبة للرد على المطالب الشعبية السلمية. ولكن، مع الأسف، هذا ما اختاره نظام بشار الأسد، فوضع سوريا ليس في مستنقع «صراع الأمم» فحسب، بل تحت رحمة الضربات التأديبية الصاروخية من أقوى قوة عسكرية على الأرض دفعت رغما إلى التلويح بها.

مع هذا، لا بد من الإشارة إلى أن الوصول إلى هذا المفصل الخطير في عمر الأزمة السورية لم يأتِ فقط نتيجة مكابرة نظام دمشق وحده، مع أنه مثله مثل أي سلطة في العالم من واجبه حماية شعبه لا الإصرار على إفنائه، بل يشاركه في المسؤولية الكبرى عن الكارثة قوى دولية وإقليمية كبرى شجعته فورطته.

كيف لا يتشجع نظام تسلطي على المضي قدما في نهج التقتيل والتدمير والتنكيل عندما تحميه «فيتوهات» متكررة في مجلس الأمن الدولي؟ ولماذا يتردد فيعتدل ويرعوي عندما يلمس انعدام الرغبة الصادقة في ردعه عند المجتمع الدولي، بمن فيهم أولئك الذين وصفوا أنفسهم بـ«أصدقاء سوريا»؟ وأين الحاجة للقبول بالمبادرات السلمية والتفاوض الصادق عندما يمده حلفاؤه ومحركوه بالسلاح والرجال عبر الحدود المفتوحة؟ وأخيرا وليس آخرا... هل يمكن أن يقلق على مصيره بعدما أفلح في استدعاء جماعات متشددة يبتز بممارساتها العنيفة المرفوضة إنسانيا وأخلاقيا العالم بأسره؟

ولكن كل هذا كلام عن الماضي، بينما ما هو مطلوب حقا التفكير جديا في المستقبل، لأن مستقبل سوريا هو بيت القصيد والغاية الأسمى، وسلامة الشعب السوري وأمنه.

واضح أن مصلحة الشعب السوري ليست في أولويات المجتمع الدولي. ولقد جاء جري رئيس الوزراء البريطاني إلى مجلس العموم لتغطية أي مشاركة في الضربة التأديبية مع أنه غير ملزم بذلك، ثم لحاق الرئيس الأميركي به بالأمس عندما استنجد بالكونغرس للموافقة على الضربة، دليلا قاطعا على حقيقتين:

الأولى، أن ثمن التدخل الأخرق في العراق عام 2003 من دون طرح بديل صحيح ومناسب، الذي أدى إلى إرضاخ العراق للنفوذ الإيراني، ما زال في بال واشنطن ولندن.

والثانية، أن القيادتين الحاليتين في واشنطن ولندن لا تريدان التدخل ولا تتحمسان له، لكن بشاعة صور اختناق أطفال غوطة دمشق أحرجتهما فاضطرتهما إلى التلويح بخطوة عسكرية قاصرة ومحدودة الحجم والهدف ومتأخرة جدا عن وقتها.

وحول هذه النقطة الثانية يجب التصارح بأن كل ما كان مطلوبا خلال الأشهر الأولى من قمع الأسد الدموي الثورة السلمية هو توجيه رسالة ردع عملية تخرج عن الكلام الأجوف. إلا أن هذا الأمر لم يحصل، بل سمحت القوى الغربية لروسيا والصين بتحدي المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن. وبالتالي، تيقن الأسد من أن يده باتت طليقة ليفعل ما يشاء، وهذا بالضبط ما فعل... فقتل عشرات الألوف وشرد الملايين ودمر المدن والقرى ومزق نسيج المجتمع بلا وازع من ضمير.