مأزق واشنطن

افتتاحية الشرق الاوسط

TT

أمام سوريا تحديات لا تعد ولا تحصى، وتعيش مآسي تفرض على الجميع البحث عن خروج واقعي من مستنقع القتل والدمار الذي نشهده يوميا منذ أكثر من سنتين ونصف السنة. واليوم هناك أيضا تحديات جدية أمام الولايات المتحدة الأميركية، التي هي ـ شئنا أم أبينا ـ القوة العالمية الأهم والدولة التي تؤثر قراراتها على مصير المنطقة وشعوبها.

يترقب العالم ما سيدور في واشنطن هذا الأسبوع من نقاشات وتصويت في الكونغرس ومبادرات يطلقها البيت الأبيض لإقناع مجلسي النواب والشيوخ الأميركي بقرار ضربة عسكرية ضد النظام السوري. وحتى الآن، تركز إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على موضوع استخدام نظام الرئيس بشار الأسد السلاح الكيماوي في مأساة يوم 21 أغسطس (آب) الماضي كذريعة أو سبب للتدخل العسكري.

وفي الوقت الذي يقول فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما، إن استخدام السلاح الكيماوي جريمة ضد «كرامة الإنسانية بأكملها»، فإنه يشدد على مسألة حماية الأمن القومي الأميركي كما قال في خطابه الأسبوعي يوم السبت الماضي وفي اتصالاته مع قيادات الكونغرس. ومعروف أن الأمن القومي الأميركي هو ما يرسم السياسات الخارجية الأميركية منذ عقود، لكنه يفسر حسبما ترى الإدارة التي تدير البيت الأبيض في وقت معين، وليس كما يتمناه البعض أن تكون القرارات مبنية على حماية الأبرياء في وقت لا يحرص فيه قادتهم على ذلك.

إن الأيام والأسابيع المقبلة تحمل اختبارا جديدا لمفهوم الأمن القومي الأميركي مبنيا على مكانة الولايات المتحدة ليس فقط في المنطقة، بل أيضا أمام أعين العالم.

التدخل بات شبه مؤكد، بعدما ناشد كثير من السوريين، ومن يريد مصلحة سوريا، واشنطن تدخلا أميركيا جديا لدعم جهود الحل السياسي للنزاع الدموي في البلاد. وذهب البعض إلى حد المطالبة بتدخل عسكري دولي حماية للشعب السوري وبموجب القانون الدولي «مسؤولية الحماية»، إلا أن تردد الإدارة الأميركية على مدى سنتين ونصف السنة أدى إلى مأزق حقيقي للولايات المتحدة ووضعها أمام 3 خيارات صعبة؛ فإما أن يلتزم الرئيس أوباما «خطه الأحمر»، أو الخط الدولي كما قال، لاستخدام الأسلحة الكيماوية، وبالتالي يتخذ قرارا بضربة عسكرية قد تؤدي فقط إلى تحجيم القدرة العسكرية للنظام والمزيد من الدمار إلى سوريا، وإما أن يتخذ قرارا بضربة عسكرية موسعة وبتسليح المعارضة السورية بغرض إسقاط النظام السوري، بما يحتويه هذا القرار من تداعيات تصعب السيطرة عليها، وهو أمر يلاقي بعض المعارضة من الداخل الأميركي حسب استطلاعات الرأي. أما الخيار الثالث فيستدعي مبادرة أوسع وأكثر جرأة من واشنطن للتوصل إلى حل سياسي جذري للأزمة السورية ضمن استراتيجية أكثر وضوحا تجاه منطقة الشرق الأوسط.

إن ضربة عسكرية محدودة من دون إطار أوسع للتعامل الجدي مع ما يحدث في سوريا، قد تشكل عبئا إضافيا على الإدارة الأميركية وتزيد من شكوك كثيرين في المنطقة تجاه نياتها، ذلك أن ضربة تضر بسوريا كبلد وتنال من مواطنيها وبنيتها التحتية، بينما تبقي النظام وتحافظ على قوته لن ترضي أحدا، بل تزيد الأمور تعقيدا ليس فقط للسوريين، وإنما لدول الجوار التي عانت ما عانته من تبعات أزمة سياسية وإنسانية وأمنية.

اليوم أمام واشنطن فرصة لإثبات جديتها أمام تجاوز القانون الدولي، وأيضا قدرتها على أن تكون القوة العظمى وقابليتها على قيادة تحرك بتحالف عربي ودولي، خصوصا أن جامعة الدول العربية تبحث عن شريك حقيقي يستطيع تحمل مسؤولية اتخاذ قرار للرد ليس على استخدام السلاح الكيماوي فحسب، بل أيضا لإيقاف نزف الدم المستمر في سوريا.