الانقلاب الدبلوماسي الروسي

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

المعارضة السورية لديها كل الحق في إبداء قلقها من الاتفاق الذي أبرمه وزيرا خارجية روسيا والولايات المتحدة، في جنيف، بشأن نزع الأسلحة الكيماوية من النظام السوري بعد الانقلاب الدبلوماسي الذي قامت به موسكو وحوّل دفة العواصم الغربية التي كانت تحشد لتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام.

قلق المعارضة الذي عبر عنه اللواء سليم إدريس رئيس أركان الجيش السوري الحر، محوره الشعور بأن الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام اختصرت في قضية الأسلحة الكيماوية، بينما تركت قضية المعاناة الإنسانية وكفاح الشعب السوري الذي دفع نحو 120 ألف قتيل حتى الآن، في انتفاضته ضد الظلم جانبا نتيجة مساومات القوى الكبرى.

لقد لعبت موسكو أوراقها جيدا، وثبتت نفسها كلاعب رئيس، لا يمكن تجاهله ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن على الساحة الدولية، واستطاعت الدبلوماسية الروسية أن تسجل عددا من النقاط بمبادرتها وضع ترسانة السلاح السوري الكيماوي تحت الرقابة الدولية، والتي توجت باتفاق جنيف الذي يضع مهلة هي منتصف عام 2014 لتدمير هذه الأسلحة.

ويجادل بعض المحللين بأن روسيا قرأت الارتباك الغربي خاصة في واشنطن، تجاه طريقة التصرف مع الرئيس الأسد، والأزمة المعقدة التي تحولت إلى حرب أهلية، فقدمت مخرجا دبلوماسيا للزعماء الغربيين، الذين يواجهون رأيا عاما يخشى التورط في نزاع عسكري طويل جديد في منطقة الشرق الأوسط بعد الانسحاب من العراق وأفغانستان.

وبالنسبة إلى النظام السوري المستعد لدفع أي ثمن من أجل البقاء، فإنه وجد في هذا العرض فرصة لشراء الوقت بإعلان موافقته على كشف أسلحته الكيماوية والتخلص منها، والانضمام إلى المعاهدة الدولية التي تحظر هذه الأسلحة، وهو لم يفعل ذلك إلا تحت ضغط الشعور بالضعف من جهة، ولأنه ليس هناك أمامه أي بديل آخر وإلا لخاطر بفقدان حليفه الدولي المهم.

وإذا كان هذا الاتفاق بشأن الأسلحة الكيماوية السورية يتجاهل القضية الأساسية وهي معاناة الشعب السوري وكفاحه، من أجل التحرر من نظام لم يتورع عن فعل شيء، فإنه يمكن النظر إليه من جانب آخر باعتباره أول خطوة إلى الأمام فيها توافق دولي، في اتجاه حل الأزمة السورية بعد 3 أيام من المباحثات الماراثونية في جنيف بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف.

فاختبار نوايا النظام السوري بكشف أسلحته أمامه أسبوع، وهذا أمر مهم لمنع التسويف، أما الأكثر أهمية فهو قبول موسكو الذهاب إلى مجلس الأمن وتطبيق الفصل السابع، الذي يجيز استخدام القوة إذا لم ينفذ النظام تعهداته. صحيح أن لافروف وضع تحفظات على استخدام القوة، أو التحقق من الادعاءات، لكن على الأقل هناك توافق على إلزام النظام بالتنفيذ.

من جانبها، فإن المعارضة على حق في موقفها باعتبار أنها غير معنية بهذا الاتفاق، وأنها ستواصل قتالها من أجل إسقاط النظام، لكن عليها أيضا الاستفادة من الفرص التي قد تسنح في إطار بوادر التوافق الدولي، للمشاركة في مؤتمر جنيف 2، حيث سيبحث الوزيران كيري ولافروف إمكانياته في اجتماعهما الجديد بعد أسبوعين. إن العالم سيكون أفضل بكل تأكيد إذا استطاعت الولايات المتحدة وروسيا العمل معا بدلا من المواجهة في الأزمات الدولية، وفي الوقت نفسه فإن موسكو لن تستطيع مواصلة الدفاع عن قضية خاسرة، مثل نظام الأسد الذي تعرف قبل غيرها أنه غير قابل للاستمرار.

نجحت موسكو في انقلابها الدبلوماسي، وحصلت على مقعدها في الأزمة باعتبارها قوة عظمى، ولاعبا أساسيا معترفا بنفوذه، لكن الدور لا يكتمل إلا إذا ترافق مع التحلي بالمسؤولية.