السعودية في يومها الوطني

افتتاحية الشرق الاوسط

TT

مضى زمن مديد، منذ قاد الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، كتيبته الشجاعة لاستعادة الرياض عاصمة الدولة السعودية. كان ذلك في 1902 حينما استفاقت الرياض على دخول الفاتح عبد العزيز، ومنذ ذلك الحين، حتى وفاة الملك المؤسس 1953، ولد تاريخ جديد في الجزيرة العربية.

نصف قرن عاشه الملك عبد العزيز في مسلسل كفاح، وفصول ملحمة، وقصة وحدة وتوحيد، ليولد في عالم العرب، بل في عالم المسلمين، بل في العالم أجمع، عملاق اسمه: المملكة العربية السعودية.

بعد محطات من معارك البناء والوحدة، على الصعيد العسكري والأمني والاجتماعي، والاقتصادي، أعلن في 23 سبتمبر (أيلول) 1932، عن الاسم الرسمي للدولة، وهو المملكة العربية السعودية.

في عهد المؤسس بدأت قصة النفط؛ بعد التنقيب في المنطقة الشرقية، على يد الشركات الأميركية الكبرى في هذا المجال، في أواخر الثلاثينات بدأ تدفق النفط وإنتاج بواكير الذهب الأسود، لتبدأ قصة أخرى، قصة عملاق نفطي، وقوة اقتصادية كبرى تحتل اليوم مكانها مع العشرين الكبار في العالم.

ليس هذا فحسب، فالسعودية ليست نفطا فقط، بل كانت رعاية الحرمين الشريفين خير رعاية مضيفة مكانة مؤثرة للمملكة في العالم الإسلامي أجمع، وهذا قوة معنوية لا تضارعها قوة.

توحدت البلاد، بعد فرقة، واجتمع الناس بعد شتات، وأمن الخائف بعد وجل.

اليوم في سبتمبر 2013 طوينا أكثر من قرن على ولادة القصة، مع كتيبة عبد العزيز بالرياض 1902، وطوينا أكثر من 80 عاما على لحظة الإعلان عن اسم الدولة.

حمل الراية بعد عبد العزيز أنجاله الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد، وهي الآن بين يدي نجله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

تحديات اليوم تختلف عن تحديات الأمس، فلكل مرحلة لبوسها، إما نعيمها وإما بؤسها.

هناك التحدي الأمني الكبير، في ظل مناخ إقليمي متوتر، وغليان غير مسبوق، فشمال السعودية فيه العراق المنقسم، وسوريا المشتعلة، وجنوبها فيه اليمن الذي ما زال في دور النقاهة بعد سنوات عاصفات، وعبر ضفة الخليج الشرقية هناك إيران وبرنامجها النووي، ومشروعها السياسي الجامح في المنطقة، وعبر ضفة البحر الأحمر الغربية ما زالت مصر «أم الدنيا» تكافح للعبور إلى بر الأمان، وهناك طبعا فلسطين.

ملفات تشكل تحديا سياسيا، كما هو تحدٍ أمني لصانع القرار السعودي، ليست مجرد مشكلات بعيدة لدى الجيران، بل لها انعكاسها الداخلي، وهنا تكمن دقة التحدي.

ليس هذا فقط، فلدينا تحديات تنموية واقتصادية وإدارية في تدبير شأن المجتمع السعودي. لدينا شعب تغلب عليه فئة الشباب، بما يحملونه من أحلام وطموحات، ربما تصل لدى بعضهم إلى حد الشطط، كما هي شيمة الشبيبة. ولدينا تحدٍ آخر في إعادة هندسة الاقتصاد السعودي باتجاه أكثر اعتمادا على القطاع الخاص، وتحريره، وبقاء الدولة سلطة تحكيم ومراقبة. كل هذا يقتضي إعادة هندسة المجتمع السعودي وتوجيه طاقته الطبيعية نحو الإنتاج والعمل.

السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، جددت ثوبها، وأطلق الملك مشاريع استراتيجية في شأن الإصلاح والتجديد، يأتي في مقدم هذا، مشروع الابتعاث التعليمي الهائل، في استثمار بعيد المدى في الإنسان السعودي، فضلا عن الإنفاق الضخم على مشاريع النقل والبنية التحتية، وإطلاق العشرات من الجامعات الحكومية، بموازاة الجامعات الخاصة.

هل هذا كل شيء؟ من المؤكد أن المسيرة مستمرة، والملفات كثيرة، لكن يبقى أن السفينة السعودية تبحر بعزم رغم كل الصعاب الخارجية والداخلية، بقيادة ماهرة يتولاها الملك عبد الله بن عبد العزيز.