عن الاعتداء الوحشي في نيروبي

افتتاحية الشرق الاوسط

TT

الاعتداء الإرهابي الدموي الذي استهدف مركز «ويست غيت» التجاري في العاصمة الكينية نيروبي نهاية الشهر الحالي، نفذه فصيل من «حركة الشباب» الصومالية الأصولية المتشددة التي تربطها علاقات آيديولوجية وشخصية مع تنظيم القاعدة.

يعيد هذا الاعتداء، الذي أسفر عن مقتل العشرات من المواطنين الأبرياء، إلى الأذهان من جهة الدقة في الإعداد والتنفيذ عملية تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وكانت تلك العملية المزدوجة باكورة ضربات «القاعدة» الإرهابية حول العالم. وفي التفجيرين قاد انتحاريان يوم 7 أغسطس (آب) 1998 شاحنتين ملئتا بالمتفجرات باتجاه مقري السفارتين الأميركية في العاصمتين نيروبي ودار السلام، ولم تفصل بين التفجيرين أحدهما عنه الآخر إلا بضع دقائق.

في تلك الأثناء كان أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، الذي قتل في أبوت آباد بباكستان عام 2011، قد أعلن «حربا مفتوحة» على الولايات المتحدة، بوصفها «رأس الكفر» الذي يستهدف المسلمين. ولم يكن وقت طويل قد مضى على إعلان «قاعدة الجهاد» - وهو أصل اسم «القاعدة» – كتحالف عملي بين مجموعة بن لادن، وبقايا «تنظيم الجهاد» المصري بقيادة أيمن الظواهري. يومذاك أقنع الأول الثاني بالكف عن مطاردة العدو القريب، قاصدا النظام المصري، والتفرغ للعدو البعيد الأكثر أهمية، أي الولايات المتحدة.

وقبل هجمات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» في الولايات المتحدة، التي تعد أكبر عمليات «القاعدة» وأخطرها، شملت عمليات التنظيم بالإضافة إلى تفجيري السفارتين في نيروبي ودار السلام 1998، ضرب المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» في ميناء عدن عام 2000.

غالبية عمليات «القاعدة» منذ هجمات «11 سبتمبر»، مرورا بهجمات 7 يوليو (تموز) 2005 في لندن، والعمليات المختلفة في اليمن والعراق وسوريا وسيناء، وحتى «ماراثون بوسطن» و«غزوة نيروبي» الأخيرة، استهدفت الأبرياء. قتلت أناسا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، غير أن منفذيها أصروا على القتل والتنكيل بهؤلاء الناس، في عمل مخطط له ومتعمد.

من أين أتى هذا الصنف من البشر، وما نوع الأفكار التي يتبنونها، وما الهدف الذي سيجنونه من ترويع الناس وتقتيلهم؟

كيف تجيز «حركة الشباب»، التي خرجت من رحم الفوضى والظلم والقمع في الصومال، قتل الناس ظلما وعدوانا، وكان حريا بها أن تسعى لنشر السلام والأمن؟

إن اعتداء نيروبي لا ينفصل عن الواقع المضطرب في منطقة القرن الأفريقي. فواشنطن تواصل بذل جهودها للتأكد من وجود أميركيين بين الضحايا وبين المهاجمين على حد سواء، خاصة أن «حركة الشباب» نشطة على صعيد تجنيد مهاجرين صوماليين في المدن الأميركية، وضمهم إلى صفوفها. وكانت نعت خلال الماضي أحد هؤلاء «أبو منصور الأميركي» مطلقة عليه لقب «شهيد مينيسوتا». كذلك احتلت منطقة شرق أفريقيا، عموما، موقعا متميزا في دعوات واشنطن المطالبة بمحاربة الإرهاب في أفريقيا، استنادا إلى وقائع تفيد بوجود عناصر من تنظيم القاعدة فيها.

أيضا يزيد الاعتداء خطورة توقيته، بينما ترتفع أصوات في الغرب منادية بوقف دعم الثورة السورية بسبب انخراط الجماعات المتشددة التابعة لـ«القاعدة» في الانتفاضة على نظام بشار الأسد، وارتكابها تجاوزات مسيئة حتى بحق البيئة الحاضنة للثورة.