أوباما.. ومصر

افتتاحية «الشرق الأوسط»

TT

الحكومة المصرية لديها كل الحق في إبداء الاستغراب من توقيت قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير، بحجب جزء من المساعدات العسكرية السنوية المتفق عليها مع مصر منذ اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي.

فالقرار الذي جاء لمعاقبة دولة صديقة وحليفة، واستقرارها يعد ركيزة أساسية للمنطقة، جاء في الوقت الذي تستجدي فيه الإدارة الأميركية طهران فيما يتعلق بملف التفاوض النووي المستمر بلا نتيجة منذ 10 سنوات، والذي لا يخفى على أحد أن السلطات الإيرانية تربط مفاوضاته بقضايا إقليمية أخرى تخشى دول المنطقة أن تكون على حسابها.

هناك حيرة أيضا وعدم فهم لتوقيت القرار الذي اتخذ في الوقت الذي تشن فيه قوات الأمن والجيش المصريين حملة أمنية لتطهير سيناء من جماعات إرهابية، نمت وانتشرت في ظل نظام حكم «الإخوان» الذي استمر سنة من دون أن تبدي واشنطن أي انتقادات للنظام السابق بشأنه، ولدرجة أن رموزا من النظام السابق قبل 30 يونيو (حزيران) ربطت بين وقف العنف في سيناء وعودة الرئيس السابق إلى الحكم.

لقد ظلت الإدارة الأميركية تلوح بورقة المساعدات العسكرية التي أصبحت أهم من الاقتصادية، بعد تضاؤل حجمها في السنوات الماضية إلى ما يقرب من الـ300 مليون دولار لا تؤثر كثيرا في الاقتصاد المصري، وأخذت قرارها في لحظة صعبة بالنسبة للإدارة الانتقالية المصرية التي تحاول العبور بالبلاد وسط تحديات صعبة بينها تحدي الإرهاب الذي يشن حرب استنزاف شرسة يصعب تصور أي أهداف لها سوى الخراب.

صحيح أن الإدارة الأميركية من خلال بيانات خارجيتها ووزارة الدفاع، أكدت أن هذا ليس قطعا للتعاون الاستراتيجي مع مصر، وأن المساعدات المخصصة لمكافحة الإرهاب ستستمر، ولمحت أيضا إلى إمكانية إلغاء هذا القرار مع تنفيذ الحكومة المصرية خريطة الطريق، إلا أنه تبقى الإشارات السالبة لمثل هذا القرار سواء بالنسبة إلى القاهرة وكذلك إلى الدول العربية التي ترى أن لها مصلحة حيوية في عدم هز استقرار أكبر الدول العربية سكانا، بهذا الحجم بما يخل بالأمن الإقليمي للمنطقة كلها.

لقد أرسلت إدارة أوباما الكثير من الإشارات السلبية إلى حكومات المنطقة في إدارتها للملفات المشتعلة، والمقلقة، خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية، وخاصة فيما يتعلق بالملفين السوري والإيراني، وكانت السمة العامة هي التردد والتأخر في القرارات، وعدم الحزم أو حتى التراجع بعد التصعيد وتوريط الآخرين، كما كان يحدث بالنسبة إلى سوريا حينما كانت تخرج تصريحات وبيانات بأن الأسد عليه الرحيل فورا وأمامه فترة محدودة.

فلماذا ظهر هذا الحزم من إدارة أوباما الآن، وفقط مع مصر التي لا تهدد أحدا والمشغولة بإصلاح بيتها؟ ولماذا جرى غض النظر عن محاولات إشعال الفتنة الطائفية بحرق الكنائس والتعرض للمسيحيين أو عمليات العنف من قبل «الإخوان» ضد معارضيهم؟ ولماذا يجري غض النظر عن إرادة ملايين المصريين، الذين خرجوا للشوارع مطالبين بإطاحة نظام «الإخوان» وانضم إليهم الجيش، وهو نفس ما حدث بالضبط بعد 25 يناير (كانون الثاني) في مصر وشجعته إدارة أوباما؟

هذه تساؤلات مشروعة تثار في المنطقة، وتأكل من رصيد العلاقات التي بنيت على أساس مصالح استراتيجية على مدار عقود، ومع إدارات أميركية مختلفة جمهورية وديمقراطية، حافظت في علاقتها الثنائية مع القوى العربية الرئيسة على ثوابت تتعلق بالاستقرار الإقليمي وتوازنات القوى، رغم أي اختلافات أو تباينات تحدث في قضايا سياسية آنية، ولم تغامر بها كما يحدث الآن.