تونس.. وهاجس السقوط

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

تحت غطاء الشرعية تتمسك حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس بقيادة البلاد، على الرغم من علامات الفشل التي تعكسها الأزمة السياسية التي أثرت على الاقتصاد والأمن والمجتمع، لكن على ما يبدو، فإن الهاجس الأول الذي يشغل «النهضة» هو السقوط، ولا سيما أن استقالة الحكومة الثانية التي يترأسها علي العريض، القيادي في «النهضة»، خير دليل على قلة كفاءة الحكومة وعجزها عن إدارة البلاد، والسؤال المطروح هو: هل تبرر شرعية الحكم وحدها التمسك بالسلطة حتى في حال الفشل؟

بدأت معالم الأزمة في تونس تتضح منذ تسلم حمادي الجبالي رئيس الحكومة السابق، رئاسة الوزراء، وهو الذي انتهى قبل تخليه عن الحكم والتقدم باستقالته إلى نتيجة واضحة، هي أن الحكومة لم تكن كفؤة، وهذا ما دفعه إلى اقتراح حكومة «تكنوقراط»، ولجنة خبراء مكونة من 15 من كبار الأسماء في تونس من آيديولوجيات مختلفة للإشراف على عمل الحكومة والتقدم بالنصح والتوجيه متى ما تطلب الأمر. إلا أن «النهضة» التي ينتمي إليها الجبالي، رفضت هذا الاقتراح وتمسكت بأن يكون لوزرائها الغالبية بناء على نتائج الانتخابات. هذا نتج عنه تعيين علي العريض وزير الداخلية السابق رئيسا للحكومة بدلا من الجبالي. ورفض الإسلاميون الاعتراف بأزمة الكفاءات في صلب الحكومة والتعامل معها كواقع. وانعكس الوضع السياسي على الاقتصاد التونسي الذي يعتمد بالأساس على السياحة، والاستثمار الخارجي.

ومما جعل الأزمة تزداد حدة، الأوضاع الأمنية، فبعد تداول ثلاثة وزراء على الداخلية خلال أقل من سنتين، وعلى الرغم من دعم الجيش للأجهزة الأمنية، فإن الأخيرة لم تتمكن من تحقيق الاستقرار، بل أصبحت هي نفسها تعاني نزاعات داخلية، وصراعات بين فرق كل منها محسوب على جهة. إلى جانب فقدان السيطرة على الحدود الليبية التي يهرب منها السلاح والأموال بشكل يومي، والحدود الجزائرية التي أصبحت مستقرا للإرهابيين.

والمجتمع هو الذي يتحمل ثقل الأزمة بكل جوانبها بين فقدان الشعور بالأمن وتزايد الأعمال الإجرامية، والرعب من «الإرهاب»، وغلاء الأسعار الفاحش الذي لم تعد الطبقة المتوسطة قادرة على توفير أساسيات العيش معه، ناهيك عن البطالة التي تفقد الشباب الأمل، واليوم لا يسمع في الشارع التونسي غير التذمر والخوف، وغابت ألوان الفرح التي ارتسمت بها تونس إثر الثورة لتحل محلها علامات استفهام حول مستقبل قاتم، وعن هؤلاء السياسيين وما الذي يفعلونه بهم.

وبين الجدل حول ضرورة الصبر من طرف الناس لأن تطبيق «الديمقراطية» يحتاج لوقت، وبين مفهوم «الديمقراطية» بالنسبة للتونسيين، الشيء الأكيد أن الديمقراطية في حد ذاتها ليست من أولويات تفكيرهم، فهم يريدون حكومة عادلة ليس في توفير مساحات للغو والفوضى، بل حكومة تتمتع بالكفاءة والقدرة والقوة على السيطرة على الأمور وتوفير اقتصاد قوي لبلد عرف منذ عشرات السنين بانفتاحه الثقافي والاجتماعي. إلا أن هاجس حكومة النهضة ـ على ما يبدو ـ هو تحاشي تكرار «السيناريو المصري» معها، أي أن تبقى في الحكم مهما كان الثمن بحجة وصولهم إليه عبر صناديق الاقتراع، في الوقت الذي لا تغيب فيه التجربة المصرية وتبعاتها عن أذهان التونسيين.