القتل مستمر في لبنان: اغتيال وطن

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

عودة الاغتيالات السياسية إلى لبنان، من بوابة الوزير السابق الدكتور محمد شطح، تتخطى «تفصيل» الشخص، بصرف النظر عن أهميته ودوره، لتتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك، أي محاولة «اغتيال وطن».

لقد اختار المفجرون، مرة جديدة، أوقح الطرق للاغتيال. فجروا سيارة في وسط بيروت، بدلا من أن يردوه مثلا برصاصة - وهم على ما يبدو قادرون على ذلك - والغاية الواضحة هي الحرص على ترويع اللبنانيين، مواطنين وساسة، وتوجيه رسالة مباشرة إلى الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، الذاهب إلى لاهاي بعد أسبوعين ليشهد انطلاقة عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهي المحكمة التي تنظر في عملية اغتيال والده.

هذه العملية ما كانت الوحيدة المرتبطة بالمحكمة؛ فقبل الدكتور شطح دفع قادة لبنانيون حياتهم ثمنا لكل مرحلة من مراحل إنشاء هذه المحكمة، فلماذا ستكون انطلاقتها مختلفة؟

الرسالة واضحة، ومفادها أنه لا يجوز للحريري - أو غيره - أن يأمل في وقف المحكمة جرائم الاغتيال السياسي، وأن عليه ألا يتصور أن الاغتيالات السياسية محصورة في أمر المحكمة. فالاغتيالات السياسية في لبنان على هذه الصورة عمرها من عمر الدخول السوري إلى لبنان.. الدخول عبر النفوذ قبل الدخول المباشر بالجيش، ولقد استخدمت غير مرة لترويض المشاغبين. فمن يمكن له أن ينسى قتل الصحافي سليم اللوزي وقطع أصابعه وتغميس يديه في حمض حارق تهديدا لكل من تسوِّل له نفسه الكتابة ضد نظام دمشق ورأسه؟ وحقا كانت الرسالة واضحة لبقية الصحافيين. وبالبشاعة نفسها، قُتل مفتي لبنان الشيخ حسن خالد، ورئيس جمهورية لبنان رينيه معوض، ورئيس حكومة لبنان رفيق الحريري، وزعيم الحركة الوطنية كمال جنبلاط، ووزراء ونواب يمثلون الأمة، بالإضافة إلى شخصيات إعلامية وأمنية، وغيرهم.

المضمون، بكل بساطة وصراحة، رسالة «سادية» لا تكتفي بالقتل - وبأبشع الطرق - من دون أي حساب للمدنيين الأبرياء، فالغاية الحقيقية دب الرعب وبث الخوف توصلا إلى التدجين والإذلال.

قتلة شطح، ومن سبقه من خيرة رموز لبنان السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية، ليسوا خائفين من المحكمة، ولا يقلقهم مصير لبنان، الذي تدفع به الجريمة الجديدة نحو مزيد من الفوضى، والانهيار الاقتصادي، والتمزق الديموغرافي.

الفوضى ستضع لبنان تحت رحمة المتشددين من مختلف الأطراف، فالمنطق يقول إن التطرف يشجع التطرف. ومن ثم فإن إضعاف التيار المعتدل في لبنان، سواء بالتهميش أو الترويع والإرهاب عبر جرائم الاغتيال المبرمج، لا بد أن يدفع البلاد المكلومة أصلا نحو المزيد من الانقسام العمودي - الطائفي.

لقد كان المطلوب حقا خلق حاضنة لتطرف في هذه البيئة لكي تبرر هيمنة التطرف المضاد على بيئته وانغماسه الدموي المكشوف - والمعترف به - في الأزمة السورية، وتوطد الارتباط العضوي بين أزمة لبنان وأزمة سوريا انطلاقا من الاقتناع بأن المعركة واحدة في «الدفاع» عن وجود محور إيران ومصالحه التوسعية في المنطقة.