تونس ومصر..سنوات مهدرة

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

القواسم المشتركة بين التجربتين السياسيتين التونسية والمصرية عديدة. ففي البلدين انطلقت انتفاضات شعبية قادت إلى إسقاط النظام، ودشنت مرحلة من الطموحات بشأن المستقبل - وبعض الأوهام أيضا - ولكن من اللافت للنظر أن إقرار الدساتير استغرق سنوات ثلاث، شهد خلالها البلدان الكثير من أعمال العنف والقليل من الحوار.

ولقد ضاعت على البلدين وشعبيهما ثلاث سنوات وسط غموض مصطلح «الدولة المدنية»، الذي اجتذب الشعبين التونسي والمصري، لكن من دون التعمق في أبعاده والاتفاق على تعريفه. فثمة فريق رأى أن «الدولة المدنية» هي نقيض «الدولة الأمنية أو العسكرية»، في حين اقتنع فريق آخر بأنه يعني شيئا آخر غير «الدولة الدينية». وربما يظن من يشاهد الحكومة الانتقالية التونسية اليوم وهي منهمكة في صياغة دستور جديد، والحكومة المؤقتة المصرية وهي تهلل بالموافقة على دستور آخر بأغلبية كبيرة، أن النظامين السابقين أطيح بهما قبل أسابيع فقط لا قبل أعوام.

ثم إنه من الملاحظ أن القضايا التي ساهمت في إطلاق الاحتجاجات، وهي البطالة والفقر وضعف الأمن الغذائي، تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ومع أنه من الصعوبة بمكان الاعتماد على بيانات موثوق بها، تشير إحصاءات الحكومة المصرية إلى ارتفاع معدل البطالة من تسعة في المائة خلال عام 2010 إلى نحو 14 في المائة في الربع الأخير من 2013. أما في تونس فيرجح تجاوز البطالة حاجز الـ20 في المائة مقابل نحو 13 في المائة في العهد الماضي، وقد أسهم في تفاقم البطالة وتدني الدخل تراجع السياحة بفعل الاضطراب الأمني.

وحقا، انشغلت السلطتان الانتقاليتان في البلدين خلال السنوات الثلاث الماضية بمحاولة ضبط الأمن المفقود، مع تسجيل العديد من الاغتيالات والاشتباكات الدامية والعمليات الإرهابية، داخل المدن، وكذلك في الأرياف من سيناء بشرق مصر إلى جبل الشعانبي في غرب تونس. ولئن كشفت «اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق» حول التجاوزات والانتهاكات أثناء الثورة في تونس عن وقوع 383 قتيلا خلال انتفاضة عام 2011 حُمّلت مسؤوليتها للنظام السابق، فربما حصد العنف السياسي عددا مماثلا منذ ذلك الوقت. أما في مصر فمن المتعذر الاتفاق على أرقام قاطعة للقتلى والمصابين، لا سيما بعد أحداث العنف بين قوات الأمن وأنصار جماعة الإخوان المسلمين منذ الصيف الماضي، وترجح بعض الجهات تجاوز العدد ستة آلاف قتيل.

مع هذا، كانت حصيلة السنوات الثلاث تجربة شاقة في التعلم والتحول السياسي، لها - من دون شك - تكلفة أمنية واجتماعية واقتصادية. ففي حين تتحمل بعض القوى السياسية التي أدارت المرحلة الانتقالية السابقة جزءا من الفرص المهدرة، فإن على الحكومات القائمة اليوم التعلم من دروس سابقاتها الموجعة.

تظل تجربتا تونس ومصر إيجابيتين لدى مقارنتهما بتطورات الأحداث في ليبيا وسوريا والعراق، حيث أدى الانقسام الوطني إلى خروج الأمور عن إطار السيطرة. لقد حافظ المجتمعان التونسي والمصري على مفهوم الدولة المركزية الجامعة، وصمد هذا المفهوم فلم يلجأ المواطنون إلى الهويات والولاءات الفئوية، ولم ينزلق البلدان إلى الاضطراب الذي كان يمكن أن يحولهما إلى مستنقعين للنزاعات الدولية.