ثوابت «جنيف2»

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

تنعقد أم لا تنعقد؟ تنجح أم تخفق؟ بل: هل يسمح لها الرُّعاة من قوى المجتمع الدولي بالانهيار؟ وما الذي يمكن فعله على صعيدي منع الانهيار أو التعامل معه؟

هذه التساؤلات طرحت خلال الفترة الماضية قبل جلسة افتتاح مؤتمر «جنيف2»، الذي قضت الضرورات بأن تعقد في منتجع «مونترو» على الجانب الآخر من بحيرة «ليمان» على مسافة لا بأس بها من جنيف. وبطبيعة الحال، ازدادت الإثارة مع خطأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدعوة إيران للمشاركة، قبل التثبّت رسميا من التزامها بنصوص مؤتمر جنيف الأول، الذي عقد يوم 30 يونيو (حزيران) 2012، ولا سيما ما يؤكد قيام هيئة حكم بديلة تتمتع بسلطات تنفيذية تنهي فعليا حكم بشار الأسد. وكان بديهيا أن إيران غير مؤهلة للمشاركة في صنع السلام، طالما أنها ما زالت متورطة بالقتال داخل سوريا.

بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن أيّا من الفريقين السوريين، أي المعارضة الوطنية ونظام الأسد، ما كانا ليوافقا على المجيء إلى جنيف، والقبول بمبدأ التفاوض، من دون ضغوط واقعية موجودة على الأرض وضغوط سياسية موازية يمارسها المجتمع الدولي.

فالمعارضة الوطنية، التي تمثل الشريحة الأوسع من الشعب السوري، وجدت نفسها مُلزمة أخلاقيا ووطنيا بالسعي ما أمكنها لدرء الخطر عن المواطنين المُهدَّدين بآلات القتل التي يستخدمها النظام وقوى متشددة دخيلة على الثورة غدت، عن معرفة أو جهل، الداعم الأخطر لغاياته. كذلك وجدت المعارضة أن في صميم واجباتها، كممثل شرعي للشعب، مسؤولية التخفيف من معاناة ملايين السوريين النازحين واللاجئين داخل البلاد وخارجها. وبالتالي، قرّرت بروح المسؤولية إعطاء التسوية السياسية فرصة كاملة لعلّ المجتمع الدولي يشعر، ولو متأخرا، بالتداعيات الخطرة للفشل في كبح الانزلاق نحو تفتت كيان الدولة السورية ومؤسساتها، وما يمكن أن يشكله ذلك على أوضاع الشرق الأوسط بأسره بسبب تقاطعات المشاريع الإقليمية التي لا تخدم البتة شعوبها.

في المقابل، اتضح حتى لنظام الأسد أن رهانه على القمع الدموي وحده ما عاد وسيلة كفيلة باحتواء انتفاضة الشعب. فالشعب خرج مطالبا بالحرّية وما عاد بعد نحو ثلاث سنوات من القمع يرضى بأقل منها. ومع أن النظام راهن حتى اليوم على الدعم الخارجي الميداني في أعقاب الانشقاقات الحاصلة في الجيش، فإن القلة القليلة الباقية من المتبصّرين بالعواقب داخل أروقة السلطة، كانت تأمل بمخرج سياسي يحفظ ما يمكن حفظه.

هذا بالضبط ما توافر عبر الرعاية الدولية، وتحديدا الأميركية - الروسية، لعملية تفاوضية نتجت عن توصيات محدّدة وواضحة أقرت بمؤتمر جنيف الأول عام 2012، ومن ثم، تقرّر أن يكون أساسا لما بات يُعرف بـ«جنيف2». ولكن، كجزء من لي الأذرع في العملية التفاوضية، زجّت روسيا ومعها إيران بموضوع «مكافحة الإرهاب» ليكون على جدول أعمال المؤتمر. وعليه، فالكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي لتدوير الزوايا من دون التضحية بالمبادئ.

من مصلحة المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات الضرورية التي تنطلق من الالتزام بأولوية قيام هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة، من دون اجتثاث، أو تعدٍّ على أي مكوّن من مكوّنات الشعب، وحتما من دون المساس بسيادة سوريا ووحدة ترابها.