حرام.. ما تفعله بوكو حرام

افتتاحية الشرق الأوسط

TT

حتى مآسي الشرق الأوسط المتطاولة اعتادها الرأي العام العالمي وتعايش معها، وخاصة أن بعض أبناء المنطقة ما زالوا يلتمسون الأعذار لأقبح الممارسات وانتهاكات حقوق الإنسان ومنها الحق في العيش، إلا أن قبح ما فعلته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا قبل أيام استفز بصورة مستحقة القاصي والداني.

إنها جريمة قبيحة، ومن أقبح ما فيها إلصاقها بالدين. ولكن، في المقابل، علينا الاعتراف بأن ارتكاب الجرائم وإلصاقها بالدين باتا، مع الأسف، جزءا من التفكير السقيم والممارسات الآثمة في العالمين العربي والإسلامي. وبالتالي، يصح التساؤل لماذا يتحرك الرأي العام العالمي بينما لا يبدو من «أهل البيت»، المفترض بهم أنهم أدرى بالذي فيه، الحماسة اللازمة إنْ لجهة حماية الأبرياء أو لجهة الدفاع عن الإسلام الحقيقي الذي ترتكب يوميا تقريبا أبشع الجرائم باسمه، وهو منها براء؟

عام 2001 صدم العالم بإقدام حركة طالبان في أفغانستان على هدم مجسمي بوذا الأثريين العملاقين في إقليم باميان، وهما معلمان أثريان ذكرهما الجغرافيون والمؤرخون الإسلاميون بإعجاب ولم يتعامل معهما أي من حكام البلاد المسلمين كأصنام، بمن فيهم الفاتح الإسلامي العظيم محمود الغزنوي ابن مدينة غزنة (غزني) الأفغانية. ثم قبل أن ينصرم عام 2001 هزت العالم أحداث أكبر وأخطر، إذ تعرضت الولايات المتحدة لهجمات لم تفرق بين كبير أو صغير، أبيض أو أسود، شنها تنظيم القاعدة يوم 11 سبتمبر (أيلول) في مدينتي نيويورك وواشنطن وولاية بنسلفانيا، أيضا باسم الإسلام.

وقبل سنتين دمرت جماعات تنتسب إلى «القاعدة في المغرب الإسلامي» معالم إسلامية حضارية نفيسة في مدينة تمبكتو بوسط مالي، التي طالما عرفت بـ«جوهرة الصحراء» وكانت موئلا للعلماء والفقهاء والأدباء وأهل الفكر. وبطبيعة الحال، ثارت ثائرة المثقفين على امتداد العالم وتنادوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث الإسلامي، وهنا المفارقة، من همجية من يزعمون الحرص على الإسلام والمسلمين.

ما ترتكبه «بوكو حرام» اليوم في نيجيريا، وما تقترفه تنظيمات وزمر مماثلة لها في القارة السمراء، لأمر يشكل غاية الخطورة ليس على صورة الإسلام في العالم فحسب، بل على وجود المسلمين واستقرارهم ومصالحهم في كل مكان يتقاسمون العيش فيه مع شعوب تدين بمعتقدات أخرى؛ فنيجيريا، كبرى دول أفريقيا من حيث عدد السكان، يصفها البعض بـ«هند أفريقيا» من ناحية في إشارة إلى حجمها الضخم، ومن جهة ثانية إلى تعدديتها الدينية والثقافية واللغوية. والجرائم كتلك التي دأبت «بوكو حرام» على ارتكابها خلال السنوات القليلة الماضية وصولا إلى «سبي البنات»، حسب المصطلح الذي ساقوه، تشكل تهديدا مباشرا للعلاقات بين مسلمي نيجيريا وشركائهم، وتفتح الباب أمام حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

على المسلمين في كل مكان إعطاء العالم الصورة الحقيقية عن الجوهر السمح للإسلام، لا المزايدة في التطرف الدخيل على الفكر الوسطي الذي تعايش لقرون مع حضارات العالم ومعتقداتهم. ومن ثم، لا يجوز أن تتحرك دول العالم للتصدي لظاهرة «بوكو حرام» بينما تلزم الدول المسلمة والمنظمات الإسلامية الصمت.

في مثل هذه الظروف التحرك دفاعا عن حقيقة الإسلام واجب ديني بقدر ما هو واجب سياسي.