الإنسانية من خلال المرأة العاملة

سميرة يوسف البدري

TT

منذ عام 1909، وتحديداً يوم 28 شباط (فبراير)، وهو اليوم الأول الذي خرجت فيه آلاف النساء في شوارع مدينة نيويورك، احتجاجا على الظروف اللاإنسانيّة التي تعاني منها المرأة في مجالات العمل. وتدخّلت الشرطة وقتها بطريقة وحشيّة لتفريق المتظاهرات، ولكن المسيرة نجحت يومذاك في طرح مشكلة المرأة العاملة على جدول الأعمال اليوميّة. وتوالت المظاهرات المطالبة بحقوق المرأة في الأعوام 1909 و1910 و1911 و1917، وما زالت مستمرّة إلى يومنا هذا. ورجوعا إلى مسيرة المرأة في أوروبا وأميركا عبر التاريخ، يتّضح لنا جليّاً ان إنجازاتها لم تكن هبة أو محاولة لرفع الظلّم الذي عانته لمئات السنين، بل كانت نتيجة لإصرارها على خوض غمار الحياة وتحمل مسؤولياتها في بناء المجتمع، فكانت الطبيبة والمفكرة والسياسية والأستاذة والصحافيّة والمحاميّة وغيرها من الأعمال التي استطاعت المرأة أن تثبت فيها جدارتها من خلال عملها وتفوّقها في كثير من المجالات. ويشهد التاريخ في أوروبا لجان دارك الفتاة الفرنسيّة التي تعدّ أبرز وجه من وجوه مقاومة المستعمر الإنجليزي، التي صدر الحكم بحرقها حيّة وهي في التاسعة عشرة من العمر، كما يشهد التاريخ لماري كوري عالمة الفيزياء والكيمياء البولنديّة الأصل، والشاعرة والصحابية الشهيرة الخنساء بنت عمرو، وغيرهنّ الكثير من نساء من مختلف الجنسيات والأديان.

المرأة اليوم حصلت على الكثير من الحقوق، وأصبحت بكل جدارة تقف جنباً الى جنب مع الرجل في مختلف الميادين. كذلك نشهد في عصرنا اليوم هجمة من النساء على ميدان الإعلام، هذا ما يُقال. ولكن بالنظر الى الصحافيات اللواتي برعن في هذا المجال، نستطيع القول إنّهنّ أقليات مقارنة مع النساء الطبيبات والمحاميات والمعلمات وموظفات البنوك، ومقارنة مع النساء العاملات في مجال السكريتارية، أو عاملات المصانع وعاملات التنظيف.

ولكن الإعلام منبر نرى من خلاله ما لا نستطيع رؤيته من خلال أعمال أخرى. من ناحية ثانية هل تستطيع أي إعلاميّة أو إعلاميّ الظهور والنجاح والتطور قدما، لتصبح أو يصبح محطّ إعجاب مساحات شعبية كبيرة عبر القارات، إن لم تكن أو يكن جديراً بذلك؟ من المؤكّد أن النجاح ليس نتيجة جمال الشكل فقط أو حالة اعتراف بذنب تجاه المرأة عبر العصور، فالنجاح ينجزه الشخص وقدراته على الاستمرار والتغيير. وتسعى المرأة اليوم إلى كسر مفهوم معسكر المرأة من جهة، والرجل من جهة ثانية، لتصل إلى جوهر الحياة والمنافسة الحقّة من خلال قيام مجتمع إنساني، لا مكان فيه لجمعيات نسائيّة تطالب بحقوقها، أي عندما يصل المجتمع إلى درجة من الوعي والتطور، فلا حاجة بعدها لقيام جمعيات تعنى بحقوق المرأة، بل جمعيات تعنى بحقوق الإنسان ككل، رجلاً كان أم امرأة. دخلت المرأة كل مجالات الرجال تقريباً، ليس بسبب تأثير الصحافيات على رسالة الإعلام، بل بسبب كفاءتها وقدرتها على التغيير، فساهمت في تجميل المجتمع والإضاءة على مواضيع إنسانيّة تساعد في تطوير الحياة العائليّة في مختلف المجالات، وأعطت بالتالي الإعلام روحا جميلة. الصحافيات لم يأنثن العمل الصحافي، بل زدنه رونقا وإنسانيّة.