في كل يوم تنقل الصحافة العالمية عن العراق الحبيب ما يفطر القلب ويضيق الصدر. نزاعات لا تنتهي، وخطب نارية تهيج المشاعر من دون تعقل، وتصرفات تشي بأحقاد دفينة لا يصح أن يؤسس عليها مستقبل، وطموحات انفصالية تحبط كل من يريد الخير للبلاد.
فهل أرض الخيرات، التي قال فيها الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «العراق جمجمة العرب، وكنز الرجال، ومادة الأمصار، ورمح الله في الأرض، فاطمئنوا فإن رمح الله لا ينكسر»، تصل فيها الأمور إلى هذه الحال من الانقسام والخصومة؟
وهل بغداد، «مدينة السلام»، وعاصمة المنصور والرشيد، ومنار العلم والمعرفة، التي قال فيها ياقوت الحموي، جغرافي الجغرافيين: «ما دخلت بلدا قط إلا عددته سفرا، إلا بغداد فإني حين دخلتها عددتها وطنا» - تصبح مدينة جريح، فيها أحياء وضواح مقفلة على هذه الفئة أو تلك؟
وهل عاد حكم العراق في القرن الحادي والعشرين إلى أيام الفتن والوقائع؟ وهل أصبح متعذرا على الكردي والتركماني العراقي التلاقي والتفاعل مع أخيه العربي؟ وهل ما عاد العراق يتسع لأهله من الآثوريين الذين هاجر معظمهم بفعل عدم الاستقرار إلى أقاصي الأرض؟
وأين هوية العراق العربية اليوم، وهو الذي وضع للعرب في البصرة والكوفة أصول الصرف والنحو؟ ومن أرضه خرج فطاحل شعرائهم وأعظم علمائهم وفلاسفتهم وأنبغ خطاطيهم وموسيقييهم؟ أهكذا انتهى العراق، كتلا متناحرة، تتحين إحداها الفرصة إما للسيطرة أو التقسيم؟
يا أهلنا في العراق، تيقظوا قبل فوات الأوان، واتقوا الله في بلادكم. إن المؤامرة الإقليمية المحاكة للجميع كبيرة خبيثة تريد تفتيتنا وإضعافنا. في 1948، كان الدور على فلسطين، ثم تبدل وجه الاحتلال إلى نزاع طائفي كاد يقضي على لبنان، ومن بعده ضرب العراق في صميم، والآن نشاهد حمام الدم في سوريا.
لقد آن الأوان لكي نتعلم أننا ما لم نحصن وحدتنا الداخلية، فإننا سنسمح لكل طامح باستضعافنا والاجتراء علينا وخضد شوكتنا. ولكن، ما يحدث اليوم في العراق من مناكفات حادة لا يبشر بأن أهلنا واعون لما يبيت لهم في ليل.