حلبجة وذكرى الشهادة

محمد صادق جراد

TT

عندما نستذكر جريمة قصف مدينة حلبجة الكردية في شمال العراق بالأسلحة الكيماوية من قبل النظام العراقي السابق فإننا نقف باحترام أمام شعب صمد بوجه الطغاة ولم يخضع لإرادة الشر ودفع ضريبة سياسة التمييز العنصري والقومي التي انتهجها النظام في تعامله مع أبناء شعبه، فضرب الشعب الكردي أروع الأمثلة في الصبر والإباء والتضحية ليسجل بأحرف من نور تاريخا من الشهادة والخلود.

قصة حلبجة لم يكن أبطالها رجالا فقط بل كانوا أطفالا رضعا ونساء وشيوخا وكل ما في المدينة من معالم الحياة، العصافير والورود والهواء النقي، لأن الطغاة استهدفوا كل شيء ليحيلوا المدينة الجميلة إلى مقبرة جماعية تحكى قصتها للأجيال القادمة.

قصة شعب كل ذنبه أنه يريد العيش بحرية وسلام في زمن الديكتاتورية البغيضة. شعب لا يمكنه السكوت على الظلم، فقدم كل ما يملك قرابين على طريق الحرية والديمقراطية التي ننعم بها اليوم وينعم بها العراق لنقف وقفة احترام وإجلال لأولئك الذين غادروا هذه الحياة ليتمكن غيرهم من التنعم بالحرية والكرامة.

ولا بد لنا ونحن نستذكر هذه الفاجعة الأليمة أن ندرك أن الجريمة قد كشفت زيف الشعارات التي كان يحملها النظام السابق كالوحدة الوطنية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي. وتكشف أيضا مدى صمود وشجاعة الشعب العراقي في التصدي لنظام شمولي وتقديم هذا الشعب وخاصة الشعب الكردي للتضحيات الكبيرة من دماء أبنائه ليسجل تاريخا مميزا بين الأمم. فلم يسبق أن قام حاكم بضرب أبناء شعبه بهذه القسوة والوحشية، ولذلك تعد مجزرة حلبجة حدثا تاريخيا ورمزا لوحشية الحاكم المستبد وانتصار الشعب الصابر.

ولا بد لنا اليوم من خلال قراءة متأنية لجريمة حلبجة أن نخرج بدروس كثيرة أهمها أن الصمت الذي رافق جريمة حلبجة كان جريمة أخلاقية يتحملها الجميع في ذلك الوقت من إعلام ومنظمات إنسانية ومجتمع دولي، الأمر الذي يجعل جميع الأطراف اليوم أمام مسؤولية إنسانية للوقوف مع الشعوب التي تتعرض لجرائم وحشية من قبل الأنظمة الديكتاتورية لأن التاريخ سيكون شاهدا على كل ما يحدث ولن يرحم الطغاة ومن يساعدهم على انتهاك حقوق الإنسان في بلدانهم.

وأخيرا نقول إن الجريمة التي قام بها ذلك النظام تعكس نوعية أولئك الأشخاص الذين كانوا يتحكمون بالسلطة في هذا البلد من خلال النظر إلى طبيعة الجريمة التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ في أبشع صور التعامل مع الشعوب. ولكن ما يميز الاحتفال اليوم بهذه المناسبة الأليمة هو أن الشعب الكردي تمكن من الحصول على حقوقه وهو يمارس حياة حرة كريمة في ظل الديمقراطية التي انتزعها أبناء الشعب العراقي من قبضة الأنظمة الديكتاتورية بكل أجهزتها القمعية لتصبح حلبجة درسا للشعوب ورسالة للإنسانية مفادها أن الشعوب تنتصر في النهاية وأن المدن لا تموت مهما قام الطغاة بجرائم يندى لها جبين الإنسانية.

* كاتب عراقي