الخبر مفجع والمذيعة جميلة

زياد بن علي الحارثي

TT

عندما نفتح التلفاز لنستمتع بمشاهدته، تظهر لك مذيعة جميلة بابتسامة عريضة ومصطنعة لتنقل لك أخباراً تخلع القلوب، وتذرف الدموع، مشاهد مؤلمة وجراح غائرة، بل ينصح بعدم مشاهدة الأطفال وضعاف القلوب، يا للعجب كيف أصبح قلب هذه المذيعة قاسياً ومخالفاً لشكلها، فما الفرق بين الخبر والمخبر، إنه بون شاسع، فهل القنوات الفضائية اختارت للأخبار الموجعة أشكالاً جميلة لتخفف من وطأة الخبر على المشاهدين، أم أنها لا تهتم لذلك، وهمها سرعة النقل أولاً والتسابق في ذلك ؟! فالمجازر التي ترتكب كل يوم في سوريا نشاهدها على شاشات التلفاز، حتى تشبعت نفوسنا بذلك، فأصبح الخبر مألوفاً لدينا، بل وصل بالبعض إلى عدم المبالاة في ذلك، فيقول: اليوم عدد القتلى قليل جداً ولله الحمد! وكأن الموت لعبة، أو خسارة لإحدى المباريات الرياضية، يا الله! لقد خفت وطأة الموت على الناس، فهل هي شجاعة مفرطة؟ أم أنها موات ببطء، مشاهد لقتل أنفس حرمت الحرية والحياة، وفضلت الموت لما شاهدته من معاناة طوال أيام مضت من نظام بائد لا محالة، فقد قتل الآلاف ويتم الأطفال ورمل النساء، بل وأصبح يمثل بالجثث ليل نهار، وعلى مرآى ومسمع من العالم كله، وكأنه أمام عدو غاشم ظالم، وهو يقتل شعبه وأهله الذين آزروه وساندوه طوال السنين البائدة، ويذكرني ببيت الشماخ في ناقته حينما قال:

إِذا بَلَّغتِني وَحَملتِ رَحلي عرابَةَ فَاشرَقي بِدَمِ الوَتينِ هكذا جعل مكافأتها نحرها، بعد أن أوصلته إلى مبتغاه. لقد وصل التخاذل بالبعض حينما تأتي نشرة إخبارية إلى تغيير القناة، حتى لا يتعكر صفوه ويصاب بالإحباط طوال يومه! هكذا أصبح العرب صامتين، ولا حياة لمن تنادي! والغرب هو من يقرر في نهاية الأمر، بل ويدعو للمصالحة والمماطلة الكاذبة، فأي مصالحة مع نظام تجبر وظلم وقتل، لا حل سوى المواجهة الحقيقة، واتخاذ المواقف الحازمة والكلمة الصارمة، بعدها تشرق شاشاتنا لتنقل أخباراً جميلة من مذيعة جميلة أيضاً.

* عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز