الإهمال والكوارث.. والتربية على المسؤولية

صفات سلامة

TT

قال الشّاعر عبد الله بن المعتز العباسي لا تحقّرن صغيرة إنّ الجبال من الحصى الأخطاء الصّغيرة، من الممكن أن تتحول إلى مشاكل وكوارث كبيرة، إذا تجاوزنا عنها ولم نسارع بإصلاحها في الوقت المناسب، ومحاسبة ومعاقبة المتسببين فيها حتى لا تتكرر. في حياتنا اليومية الكثير من الأمثلة على ذلك، كالموظف الذي لم يغلق بوابات مزلقان السكة الحديد وتركها مفتوحة أمام السيارات، والموظف الذي يخطئ في كتابة اسم أو تاريخ ميلاد شخص، والسّائق الذي يتجاوز الحمولة المقررة لسيارته، والحُفر والمطبّات في الشّوارع التي نتركها من دون إصلاح او من دون وضع علامات إرشادية للتنبيه، إنّها بعض الأمثال عن الأخطاء والسّلوكيات غير المسؤولة، الناجمة عن اللامبالاة والإهمال دون المساءلة والمحاسبة، وتقف حجر عثرة أمام النهوض في المجتمع وتنمية الوطن.

هنالك الكثير من الأسر التي تعاني وتشتكي من لامبالاة واستهتار وإهمال وسلبية بعض أبنائها، الذين يمتنعون عن القيام بما عُهد إليهم من مسؤوليات وواجبات، وتخطئ الأسرة حين تتغاضى عن مساءلتهم ومعاقبتهم، ظنًّا منها انّهم عندما يكبرون سيتعلمون وسيتحملون المسؤولية من تلقاء أنفسهم، ولكن الحقيقة أنّهم لن يتغيّروا وستظل سلوكياتهم كما كانت، وعندما يستلمون مواقع القيادة والمسؤولية في المجتمع، تكون النتيجة أن يتسبب إهمالهم وتقصيرهم في وقوع الكثير من الأخطاء والكوارث. فضياع الحقوق والواجبات وانتشار القيم والسلوكيات والنماذج السّلبية، ما هو إلا نتيجة مباشرة لإهمال وتخلي بعض الأفراد والأبناء عن مسؤولياتهم وواجباتهم.

إذا حرصت الأسر على تربية أبنائها منذ الصّغر، تضع بذلك دعامة أساسية في بناء المجتمعات والأوطان، وتنعكس هذه المسؤولية الفردية على مسؤوليتهم الجماعية، عندما يتواجدون في مراكز قيادية، وسيؤدون المهام والالتزامات والواجبات المنوطة بهم على أكمل وجه، فالأسرة هي الدعامة الأساسية لتربية الأبناء على قيمة المسؤولية، والوالدان هما القدوة الأولى والأهم لغرس سلوكيات المسؤولية والمساءلة لدى الأبناء. المسؤولية، تعني التزام وتعهد الفرد القيام بأداء شيء ما أو بالامتناع عنه، وتعرضه للمساءلة إذا أخلّ بتعهداته والتزاماته، وتحمُّله تبعات ذلك، وتتسع وتضيق تبعا لنطاق وحدود وتبعات وأدوار ومسؤوليات الأفراد، فهناك مسؤوليات دينية تتمثل في القيام بالتكاليف والواجبات التي أمرنا الله تعالى بأدائها، ومسؤوليات الفرد تجاه نفسه وأهله، ومسؤوليات أخلاقية مثل الالتزام بالقيم والأخلاقيات الصّحيحة، ومسؤوليات اجتماعية تجاه مجتمعه ووطنه، مثل الالتزام بقوانين وأنظمة وتقاليد المجتمع، وجميع هذه المسؤوليات يؤديها كل فرد تبعا لمنزلته ومكانته وإمكاناته وقدراته. تُعدُّ مسؤولية الكلمة التي ينطق بها اللسان، من بين المسؤوليات التي لها شأن عظيم، فكم من كلمات أفرحت وأوصلت أصحابها المنازل الرفيعة، وكم من أخرى أحزنت وتسببت في خصومات ونزاعات وأوقعت في المهالك. ومن الجوانب المهمة في التربية على المسؤولية، إعداد دروس وبرامج توعويّة وتدريبية لجميع أفراد المجتمع تركّز على تحمل المسؤولية والدروس المستفادة من الكوارث. فمثلا يمكن أن نعرض لأبنائنا أفلاما وثائقية عن عواقب اللامبالاة والسلبية، ونماذج عن معاناة الأفراد والأطفال في حياتهم المعيشية حول العالم، مثل المعاناة في سبيل الحصول على الطّعام والماء، حتى يتعلم الأبناء وجميع أفراد المجتمع مسؤولية الحفاظ على الطعام والإقلال من الفاقد منه والحفاظ على المياه والترشيد في استخدامها.

من الضروري أن نبدأ بتغيير سلوكياتنا وتصرفاتنا غير المسؤولة بغية بناء المجتمعات والأوطان، وأن تتطابق أقوالنا مع أعمالنا، وأن نصبح قدوة صالحة ومسؤولة أمام أبنائنا، قولا وعملا وسلوكا وخلقا في جميع مجالات الحياة.

قال عمرو بن عتبة لمعلم ولده: «ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت».

لقد أصبح هناك أهمية لغرس ثقافة قيّمة وأهمية تحمّل المسؤولية والمساءلة في نفوس جميع أفراد المجتمع وخصوصًا بين الأبناء والشباب، فسوف يتحقق بذلك التوازن في المجتمع، وعندها يعرف كل فرد أنّه مسؤول ومحاسب عن كل ما يفعله، وأنّ تقدّم ونهضة المجتمع يقومان في الأساس على تضافر ومسؤوليات جميع أفراده، بحسب مكانتهم وقدراتهم.