البريكس.. اختبار القيادة في سوريا

سلمان شيخ

TT

إن المأساة الإنسانية المتجلية في سوريا، هي على الأرجح أخطر أزمة تواجه العالم اليوم، وإلى الآن يعاني المجتمع الدولي لإيجاد وسيلة للمضي قدما نحو حل الأزمة، فمع أكثر من أربعة ملايين سوري في احتياج إلى مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين من المشردين بالداخل، حسب تقدير متحفظ للأمم المتحدة بناء على مسح استقصائي لست من أصل أربع عشرة محافظة في سوريا، لم تكن الاستجابة الإنسانية لمحنة المدنيين كافية على الإطلاق.

لقد ألقى تقرير اليونيسيف الأخير الضوء على مليوني طفل من المشوهين واليتامى والذين يعانون من سوء التغذية نتيجة للصراع - جيل كامل «شوه مدى الحياة».. وفي الوقت ذاته، نجد أكثر من مليون لاجئ يطلبون اللجوء إلى تركيا ولبنان والأردن، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى علامة الثلاثة ملايين بحلول نهاية عام 2013، ليكون ذلك بمثابة قنبلة موقوتة، خاصة في بلدان تقوم على توازن اجتماعي وعرقي وطائفي في غاية الحساسية.

وصول المساعدات الإنسانية محدود للغاية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حيث أمس الحاجة إلى المساعدة والعون، وقد أظهرت معضلة التجاوب تجاه الكارثة الإنسانية قدر الفوضى التي نمر بها حاليا. فإنه بموجب قرار الجمعية العامة 46 - 182 لا يمكن للأمم المتحدة أن تعمل داخل الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون دون موافقة صريحة من الحكومة السورية.

كما أن سلطة الحكومة في حالة تراجع، ومع ذلك يتردد الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان ينبغي علينا الالتزام بسيادة نظام مستبد ما زال يساهم في تفاقم الأزمة من عدمه. بينما يعمل الآخرون، في الوقت ذاته، على الدعوة إلى العمل الإنساني المباشر عبر الحدود، بالتنسيق مع الائتلاف الوطني السوري المعترف به دوليا، ومع انتخاب غسان هيتو رئيس وزراء مؤقتا للحكومة الانتقالية في المناطق المحررة، سوف تتصاعد تلك الدعوة وتنمو من دون شك.

حان الوقت للمجتمع الدولي أن يتغلب على هذه العقبة، والسماح لاستجابة إنسانية أكثر فعالية داخل سوريا، وقتما وأينما لزم ذلك. طريق واحد إلى الأمام لبلدان رئيسة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند من أجل دعم جهود أكثر فاعلية تجاه تكثيف عمليات الأمم المتحدة للمساعدات عابرة الحدود داخل البلاد، تلك الفرصة تطرح نفسها في قمة «البريكس» 2013 في ديربان، المزمع عقدها الأسبوع المقبل.

ينبغي على تلك البلدان استخدام نفوذها لتأمين التأييد والدعم داخل مجلس الأمن لهذا النهج، وبصورة رئيسة، عن طريق الضغط على روسيا والصين. علاوة على ذلك ينبغي عليها أن تستخدم قنواتها المباشرة مع الأسد من أجل الإصرار على أن يسمح النظام للعمليات عبر الحدود، وضمان وصول كامل المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق داخل البلاد.

لماذا دول «البريكس»؟ نظرا لبروزهم الصاعد على الساحة الدولية، أصبح من الواضح أن هذه الدول تلعب دورا رئيسيا في توجيه الاستجابة الدولية لهذه الأزمة. لقد سافرت بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد، إلى جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي لتسليم رسالة إلى الرئيس زوما وحث بلدان «البريكس» نحو التدخل لوقف العنف في سوريا والتشجيع على فتح حوار، وقبل ثلاثة أسابيع كانت في الهند تفعل الامر ذاته. فبات من الواضح أن مثل هذه الدبلوماسية الهزلية من جانب النظام، يجب أن تلاقى بدعوات أكثر عزما ووضوحا بهدف الحفاظ على حياة المدنيين. تعد تلك الفرصة استراتيجية بالنسبة لبلدان «البريكس» كي تستخدم نفوذها وتلعب دورا داعما وأكثر حسما.

لم يعد هناك وقت لإضاعته. فإلى الآن، فشل المجتمع الدولي في مسؤولياته تجاه حماية الشعب السوري، حتى فيما يتعلق بتمويل العمليات الإنسانية للأمم المتحدة، فقط 20 في المائة من إجمالي 1.5 مليار دولار تعهد بها المانحون الدوليون بالكويت في شهر يناير (كانون الثاني)، تم الوفاء بها.

إن التقاعس الدولي في العمل داخل سوريا سوف يترك إرثا دائما لانعدام الأمن والمعاناة، في حين أن الآثار غير المباشرة لهذه الأزمة الإنسانية لن تؤدي إلا إلى عدم الاستقرار المتزايد داخل القطاع السوري وامتداده إلى نطاق أوسع بالمنطقة. هناك مسؤولية على دول «البريكس»، جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي، إلى التحرك فورا.

نظرا لحالة الطوارئ على أرض الواقع، وبما أن وصول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود قد لا تكون كافية وحدها، من أجل حماية المدنيين وضمان المرور الآمن لمنظمات الإغاثة، واللاجئين الذين يحاولون مغادرة البلاد، هناك واجب متزايد لإنشاء ممرات إنسانية آمنة ومناطق مدنية على طول الحدود الحساسة في سوريا.

لا نخطئ عندما نشير إلى أن مثل هذه المناطق الآمنة يجب أن تكون آمنة ومصونة فعليا من خلال كافة الوسائل الممكنة، وهنا يكون لدينا الكثير لنتعلمه من تجربة الأمم المتحدة داخل البوسنة في التسعينات، بما تنطوي عليه من تقييم ما كان صحيحا، وما كان خاطئا..

يجب على دول «البريكس» وشركائها الدوليين أن يكونوا على استعداد تام لدعم مثل تلك التدابير، فالوضع يتطلب ذلك. أما كحد أدنى، يجب أن يطالبوا الآن بأن يسمح الأسد للأمم المتحدة بعبور الحدود السورية إلى المدنيين المحتاجين، فالأمم المتحدة لديها المعرفة المؤسسية المطلوبة لإيصال المساعدات إلى المناطق المجزأة، مما يجعل المنظمة أفضل من يتم وضعه للقيام بذلك الدور داخل سوريا. إن تمكين الأمم المتحدة لإجراء استجابة واسعة النطاق داخل البلاد، سوف يساعد على الحيلولة دون تسييس المساعدات، فضلا عن ضمان استجابة منسقة في القطاعات الحيوية مثل المياه والصرف الصحي، وإعادة بناء البنية التحتية والمساعدات الغذائية والتعليم. إن الهدف النهائي هو ضمان أن تكون الأمم المتحدة قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لجميع المدنيين والتمسك بالمبادئ الإنسانية الأساسية في هذا الصراع الدموي.

* مدير مركز بروكنجز الدوحة وزميل بمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط