الحل.. قمة عراقية

مظفر قاسم

TT

ليس غريبا أن تثور براكين الغضب الشَّعبي في العراق بعد السنين العشر العجاف على صعد عدة أهمها، الأمن والخدمات والاعمار، اضافة الى الحكومات المتعاقبة التي بُنيت على المحاصصة والطائفية المقيتة والتهميش، فضلا عن الفساد «الوجه الاخر للارهاب»، الامر الذي أوصل المشهد السياسي العراقي الى هذه الدرجة من البؤس حيث يعيش السياسيون العراقيون في حالة «طلاق سياسي»، بدليل عدم وجود وفاق سياسي حقيقي وتحالف متين وثابت بين كتلتين سياسيتين عراقيتين.

وبات السياسيون على ضفة والشَّعب على الضِّفة المقابلة، ولن يقرِّبهما الا جسر وهذا ما سيتم التطرق اليه.

الغريب في الامر حقاً أنّ القائمة العراقية صاحبة أعلى اصوات انتخابية غير راضية عن الحكومة التي يرأسها السيد نوري المالكي (دولة القانون)، والتحالف الكردستاني هو الآخر غير راضٍ، وقطيعة السيد مسعود البارزاني واضحة جدا، والتَّيار الصَّدريّ وهو جزء من الائتلاف الوطني، ثمَّ صار جزءاً من التَّحالف الوطني، والمجلس الاسلاميّ الأعلى برئاسة السيد عمار الحكيم، أيضا غير راضيين عن أدائها. ومع كل هذا نجد أن حكومة المالكي ما زالت مستمرة وباءت محاولة سحب الثِّقه بالفشل. وهنا تبرز تساؤلات لدى الشارع العراقي منها: لو كانت هذه الكيانات السِّياسية حقا غير راضية عن الحكومة فلماذا لم تتخذ خطوات عملية في تغييرها حسب قنوات (الدستور)؟ هل تمارس هذه الكيانات الازدواجية في التعامل؟ أو انها تكيل بمكيالين؟ شخصيات سياسية بارزة رفضت الكشف عن اسمها، أكَّدت أن «القائمة العراقية والتّحالف الوطني بأجمعه يساند السيد المالكي لأمور تتعلق بالاكراد، ومنها موقف السيد رئيس الوزراء من محافظة كركوك التي لن يتنازل عنها ابدا للأكراد، بالاضافة الى رفض السيد المالكي طريقة تعامل اقليم كردستان مع الحكومة المركزية. لذا فإنَّ القائمة العراقية والتَّيار الصَّدري، تحمَّلا وجود المالكي لهذه الاسباب فقط. وهنا يكمن سرّ مقاطعة الاكراد له، واتهامه بأنه ديكتاتور متفرد بالسلطة وهو الذي أنهى التحالف الشيعي- الكردي».

للاسف لم تتعامل الحكومة مع المظاهرات الشَّعبية التي قامت في مدن عراقية بحكمة. وكان الاجدر بها احتواءها بطريقة دبلوماسية، والنَّظر في مطالب المتظاهرين على وجه السرعة بدل التركيز على مسائل أخرى. وبعض الشعارات التي اعتبرتها الحكومة مستفزة لها ستزول قريبا. وهنا خلطت الحكومة الحابل بالنَّابل، الامر الذي اثار حفيظة المتظاهرين وسخطهم على الحكومة التي لم تحترم رغبتهم، وهنا يبرز ثمة سؤال مهم، كيف غاب عن ذهن الحكومة أن أي تظاهر في العالم هو تعبير مدني شعبي عن سخط وعدم رضا المتظاهرين عن حال معينة، لذا قد يلجأ بعض المتظاهرين الى طريق الاستفزاز تعبيرا عن ذلك السخط، من أجل لفت أنظار الحكومات وهي مسألة سيكولوجية أكثر منها سياسية. ونظرت اليها الحكومة وكأنها مسألة سياسية تستهدفها، فوقعت في هذا الخطأ. فلو احتوت الحكومة المظاهرات منذ البداية لما تطوَّر الوضع على منصات الاعتصام الى ما هو عليه الان بعد دخول المظاهرات شهرها الرابع على التوالي، ثم جاء قرار تأجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار ليزيد الطين بلة، ولهذا على الحكومة أن تصدر قرارا فوريا بالغاء قرار تأجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار.

في خضم هذا المشهد السِّياسي المأساوي يبحث العراقيون عن حل مقنع لوضع الامور في نصابها الصحيح. فمشكلتنا الحقيقية أننا نفتقر الى قادة يأخذون بزمام الامور الى برّ الامان. فكل ما يحتاجه العراقيون وجود سياسيين من الشيعة يدافعون عن حقوق السنـّة والى سياسيين سنـّة يدافعون عن حقوق الشيعة، وكل من السنة والشيعة يدافع عن حقوق باقي العراقيين من الديانات الاخرى على اعتبار أن الكل شركاء في هذا الوطن. فلو تحقق هذا الامر فإننا سنقطع شوطا كبيراً نحو الاستقرار.

لذا يجب أن تعقد «قمة عراقية». وهذا هو الجسر الذي سيوصل مابين الضفتين، الشَّعب والسّياسيِّين، قمة تجمع قيادات جميع الاطياف العراقية بقومياتها وأديانها ومذاهبها، للوصول الى ورقة وطنية ملزمة للجميع.

* كاتب واعلامي عراقي - لندن [email protected]