التعصب المجنون

محمـود ماضي

TT

التعصب أعمى. تلك حكمة صحيحة، ولو لم يكن أمرها كذلك لما تناقلتها الأجيال من كل الشعوب. والتعصب هو الانتصار للقريب ظالما، وللقبيلة في أطماعها، وللفكر في الشذوذ والخطأ. وهو أعمى لأنه يحجب عن صاحبه استبصار الحقيقة ويضله عن المسلك الصحيح، فيحبط عمله ويخيب جناه ولا يعود عليه وعلى قومه بغير الخسران المبين. ورغم أن هذه الحكمة المحذرة من شرور التعصب هي شائعة أيضا في بلدان معينة، إلا أن أحدا من زعماء الطوائف لم يتفاد الوقوع في براثن التعصب، بل وقعوا في زلاته مرات عديدة. تلك الزلات التي كلفت الجميع في بلد كلبنان مثلا ما يعاني من تبعاته لغاية اليوم، وما سوف يعانيه بسببها قادم الأجيال. ولا نتكلم هنا فلسفة ولا من علم الكلام إنما هو نقل صادق لواقع الحال نابع من الغيرة على مصير الوطن والحمية على ترسيخ التعايش والسلم الأهلي، ورفع الغبن عن المواطن أيا كان. ولكن الزهو بالنفس وشدة الاعتزاز بالعصبيات عند الذين نعتبرهم للطوائف زعماء في لبنان تمنعهم من قبول الرأي الحر والنصيحة الناجعة من مواطن لغير ربه ووطنه ليس له انتماء. فأمام هذه الحقيقة لا بد من وضعهم أمام المرآة علهم يرون حقيقة أمرهم التي يسترونها وراء جمال الوجوه، وعراقة الأنساب، وفصاحة اللسان. وإذا ما استعرضنا أوجه الشبه في مواقف وتصرفات قادة الطوائف ومنها حزب الله المهيمن اليوم على الدولة اللبنانية بالتبعية الإيرانية لا بد أن نخلص إلى أن المؤامرة تستهدف جميع الطوائف في لبنان وأن زعماء التعصب الطائفي الأعمى هم الذين يعملون على تنفيذ المؤامرة على أنفسهم وأهليهم ووطنهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا. فالدولة اليوم تحت تصرف حزب الله بحيث يتحرك الحزب بسلاحه وعناصره داخل الوطن، وفي الجوار ويطلق القذائف والطلقات من أرض لبنان على أهلنا في الشام، ويسارع حزب الله إلى تحريك القضاء والعسكر ضده هؤلاء في الحال. ويبقى أمر ينبغي أن يضعه المتعصبون نصب أعينهم ولا يجعلونه طي النسيان وهو أن الفتنة بين السنة والشيعة أو حربا قد تقع بين المسلمين والمسيحيين كما يروج لهما أصحاب المآرب والأهواء تهويلا في الإعلام، سوف لا ولن يقعا إطلاقا في المدى المنظور في لبنان وذلك لوعي الشعب اللبناني الذي لن يرضى بأن يكرر مأساة الحرب الأهلية.

*كاتب لبناني