اليوان في طريقه إلى العالمية

هيلين وونغ

TT

بعد وصوله إلى موقع السلطة في مؤتمر الشعب الوطني الشهر الماضي (مارس/ آذار)، أصبحت أمام لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الصيني الجديد، مدة عشر سنوات كاملة ليقوم بالإشراف على نهوض الصين كقوة اقتصادية عظمى.

وفي حين أن العديد من الشخصيات قد تغيرت، فمن المرجح أن يتابع رئيس الوزراء، السيد لي، مسيرة الصين الاقتصادية بالعقلية والتصميم نفسهما اللذين اتسم بهما سلفه، وين جياباو، ومعها بروز عملة الصين الرسمية، الرنمينبي، في السوق العالمية.

وخلال زيارة لي إلى منطقة الخليج في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، ضمن جولته التي شملت ثلاث دول من المنطقة، قامت كل من الصين ودولة الإمارات العربية المتحدة بإبرام صفقة مبادلة بالعملات بلغ حجمها 35 مليار رنمينبي (ما يعادل 5.5 مليار دولار أميركي)، بحيث تتيح لمصرف الإمارات المركزي إمكانية تزويد المؤسسات المالية بعملة الرنمينبي لاستخدامها في تسوية معاملات التبادل التجارية، وهي واحدة من بين نحو 20 اتفاقية مماثلة وقعتها الصين مع بلدان في جميع أنحاء العالم.

ومنذ خمسة عشر شهرا وحتى الآن، وبينما لا يوجد أي حديث حول اليوان - كما يعرف أيضا بالرنمينبي - ومع ابتعاد الدولار الأميركي عن كونه العملة القياسية المختارة بالنسبة للتجار والمستثمرين، عاد دور العملة الصينية لتسجيل المزيد من النمو في الأسواق العالمية. أما من حيث الحجم فنتوقع أن يصبح الرنمينبي من أكبر عملات المعاملات التجارية العالمية الثلاث بحلول عام 2015، لينضم بذلك إلى اليورو والدولار الأميركي. كما نتوقع أن يصبح من العملات القابلة للتحويل بشكل كامل خلال خمس سنوات من الآن، مما سيدفع الاندماج المالي الصيني مع الأسواق العالمية إلى مستوي جديد.

فما معنى ذلك بالنسبة للمستثمرين والتجار في العالم العربي؟ على نحو واسع، ينبغي عليهم أن يكونوا مستعدين لإعادة موازنة كبيرة وشاملة في محافظهم الاستثمارية والمالية، كما نتوقع أن يكون هناك المزيد من الإقبال على تعزيز العلاقات التجارية خارج الصين عندما ينضم الرنمينبي إلى مجموعة العملات الدولية المختارة بشكل فعلي.

وفي عام 2009، بدأت بكين بإجراء سلسلة من الإصلاحات الرامية إلى التوسع في استخدام عملتها في تسوية معاملات التبادل التجارية الخارجية وتحسين التدفقات الاستثمارية.

وفي عام 2010، قامت الصين بفتح سوق «الأوف شور» بالرنمينبي، ومقرها في هونغ كونغ، مما شكل قاعدة للاستثمار باتجاه الصين. لقد كانت النتائج مذهلة.. فوفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، تفوقت الصين على الولايات المتحدة باعتبارها من أكبر الدول المستقطبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من عام 2012. وعلاوة على ذلك، فإننا في «HSBC» نتوقع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 8.6 في المائة لهذا العام، وبنسبة 8.4 في المائة في عام 2014. ولمجرد المقارنة، قس هذا النمو الصيني مع توقعاتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 0.8 في المائة، وبنسبة 2.5 في المائة في الولايات المتحدة في عام 2014.

وفي ظل استمرار بروزها كقوة اقتصادية عالمية، تسعى بكين لإدارة تطوير عملتها لتصبح قابلة للتحويل بشكل كامل، وذلك من خلال سلسلة من الخطوات متحكم بها ومحسوبة بعناية. فالتدرج هو اسم اللعبة. ومع مرور الوقت، وبينما يتم العمل على تطوير اللوائح والأنظمة، فإننا نتوقع زوال الفروقات التي تميز ما بين هذين النوعين من الرنمينبي (الأوف شور والأون شو)، بينما تمضي العملة قدما لتصبح من العملات القابلة للتحويل بشكل كامل.

أما البيانات التي تم الحصول عليها عبر نظام المدفوعات العالمية «Swift»، فهي تشير إلى أن عمليات المدفوعات التي تم إنجازها بالرنمينبي سجلت نموا بنسبة 171 في المائة في عام 2012 من حيث الحجم، وذلك خلال الفترة ما بين يناير 2012 ويناير 2013. كما أن هناك توجهات تشير إلى المزيد من التخفيف في اللوائح والأنظمة والقيود المفروضة على العملة قيد الإجراء في الصين. ووفقا لنتائج استبيان «HSBC» لآراء رجال الأعمال الصينيين، فإن ثلث المعاملات التجارية الدولية للصين ستكون قيمتها بالرنمينبي وذلك في غضون عامين من الزمن.

أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد نما حجم معاملات التبادل التجارية بين الصين و16 بلدا من أكبر البلدان العربية من 13.5 مليار دولار أميركي في عام 2001 إلى 182 مليار دولار أميركي في عام 2011، وهي الأرقام المتوافرة حتى السنة الأخيرة، وذلك وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي حول إحصاءات التجارة العالمية. فإذا قمنا باستخدام نتائج استبيان «HSBC» للشركات الصينية كدليل إرشادي، فإن ثلث تلك الشركات قامت بإنجاز معاملاتها التجارية بالعملة الصينية، مما يعني أن ما يعادل أكثر من 60 مليار دولار أميركي من المعاملات التجارية قد تم إنجازها بالرنمينبي. فمن خلال وارداتها من الألبسة والسلع الإلكترونية ومواد وتجهيزات البناء، عادت الصين لتبرز مجددا كمصدر للتأثير على النمو الاقتصادي في المنطقة.

ومع هذا التوجه نحو انتقال العملة لتصبح قابلة للتحويل بشكل كامل، تقوم الصين بإعادة بناء مكانتها كدولة تجارية رائدة، وكما سترون في «دراغون موال»، وهي منطقة حرة مخصصة للشركات الصينية خارج دبي، فإن العالم يبدي الكثير من الاهتمام والإقبال على كل ما تعرضه الصين وتقدمه من منتجات.

* الرئيس التنفيذي لبنك HSBC ــ الصين