تسويق العمل التطوعي

سراج علي أبو السعود

TT

لا شكَّ أنَّ الجمعيات الخيرية في المملكة العربيّة السّعوديّة تقوم بجهد كبير في تحقيق آمالها من أجل الوصول إلى مجتمعٍ خالٍ من العوز والفقر، وتأمين أمور اجتماعية أُخرى يحتاجها المواطن، لا تقل أهمية عن هذا الجانب، لذا ينبغي أولا أن نتوجّه بالشّكر والتقدير لإداراتها. غير أنَّ أهمية دور الجمعيات الخيريَّة تستدعي المزيد من التأمل والنَّظر في الأسباب التي تحول دون أن يكون لها دور أكثر فاعلية مما هو عليه. لست أنتقد بعض هذه الجمعيات، ولكنني في معرض الحديث عن أمور أرى في تحقيقها مزيدا من التَّطور لهم.

إنَّني أعتقد أنَّ أهم عامل لتطوُّر أي منظمة - ربحية كانت أو غير ربحية - هو الإدارة الفاعلة، الإدارة هي في حقيقتها مهارةٌ تُصقل بالعلم، هذه الإدارة الفاعلة تُحسِن أولا إدارة الموارد المتاحة لدى الجمعيات، كما تستطيع وضع أهداف استراتيجية علمية تهدف لزيادة هذه الموارد واستغلالها بطريقة تعتبر الأمثل علميا.

الجمعيات عموما هي منظمات خيرية تطوعية، عادة ما تتضمن في كوادرها الوظيفية مجموعة من المحسنين الأخيار، الذين يدفعهم واجبهم الشَّرعي والأخلاقي للانضمام للعمل الخيري، غير أنَّ المحسنين ليسوا بالضرورة يملكون من العلم والخبرة ما يسعفهم لإدارة المواضيع التي يكونون فيها بالفعالية المطلوبة، انطلاقا من ذلك تقفز نقطة مهمة للمناقشة وهي «ثقافة التطوع».

لا شكَّ أنَّ المجتمع السُّعودي عموما مليء بالكفاءات الإدارية الوطنية التي تمتلك بالإضافة لعلمها الأكاديمي خبرة إدارية طويلة. هذه الكفاءات التي انتهى عملها الوظيفي بالتَّقاعد، هي في حقيقتها موارد يمكن استغلالها في الأعمال التّطوعيَّة، لا سيما في إدارة الجمعيات الخيرية. المتقاعدون هم موارد قادرة على العطاء ولا بُد من خلال العمل معهم دراسة كيفية تقديمهم للمساعدات بطريقة مثلى. لا شك أنَّ بعضهم أرهقته الحياة الوظيفية ويرغب في الراحة، ولكنني لا أشك أنَّ منهم الكثير ممن يقبل بهذا الدور الذي يحثَّ عليه الدِّين والفطرة والطَّبع الإنساني النبيل. وربما كانت الغفلة عن الأسباب الأساسيّة في عدم تحقيق هذا الأمر. من هنا فإنَّني أعتقد أنَّ الجمعيات الخيرية وبالإضافة إلى الدور الذي تقوم به من تسويقٍ للتَّكافل، ينبغي أن تستهدف هذه الكفاءات الموجودة في محيط عملها وأن تدعوها للانضمام إلى كوادرها.

إنَّ تسويق العمل التَّطوعي عن طريق تحديد الشَّريحة المستهدفة أولا، وهي الشريحة التي تتمتّع بالكفاءات الإدارية العالية، ودعوتها إلى الانضمام للجمعيات، أمر أظنه في غاية الأهمية، وطريق لا بُدَّ من سلوكه حتى تتطوَّر جمعياتنا وتسير نحو الأفضل، كما أنَّ الإعلام إجمالا ينبغي أن يكون له دور في بث روح العمل التَّطوعي، لا سيما للنّخب المتقاعدة، التي لم يزل دورها دون المأمول.

ختاما أتوجّه بكل الشّكر والتقدير لجمعياتنا الخيرية وللمتطوعين فيها، وأسأل الله لهم التوفيق في مهمتهم الإنسانية العظيمة.

* كاتب سعودي