هل ستغزو مطاعم الوجبات السريعة الأميركية شوارع بيونغ يانغ؟

بسام دبور

TT

ترتفع أصوات طبول الحرب منذرة بحرب نووية بين كوريا الشماليّة من جهة وكوريا الجنوبية وأميركا من جهة أخرى. ولكن بنظرة متفحصة وعميقة لجذور هذه الأزمة سنكتشف أن نهايتها ستكون غزو المطاعم الأميركيّة الكاسح لشوارع العاصمة الكوريّة الشمالية يعقبه انفتاح متسارع نحو الغرب ووحدة اندماجية بين الكوريتين تشكل لاحقا قوة اقتصادية عظمى تنافس جارتها الصين وتحد من نفوذها الاقتصادي العالمي. أما المؤشرات فهي على النحو التالي:

أولا: أعلنت كوريا الشمالية الحرب على كوريا الجنوبية وأميركا من دون أن تطلق رصاصة واحدة، مع العلم أن إعلان الحرب عادة ما يتزامن مع إطلاق النار أو يأتي بعد المباشرة بأي عمل عسكري.

ثانيا: أبلغت كوريا الشمالية أميركا أنها ستوجه لها ضربات نووية متعددة، ولو كان هذا التهديد جدّيا فإن أميركا ستبادر فورا ومن دون أي تردد بأخذ زمام المبادرة وشن ضربات نووية استباقيّة لأن الطرف الذي يتعرض للضربة الأولى هو الخاسر الأكبر، والعقلية الأميركية العسكرية لن تقبل بأن تكون متلقية للضربة النووية الأولى على الإطلاق وتحت أي ظرف كان.

لقد شنت الولايات المتّحدة أول هجوم نووي في التاريخ عند نهاية الحرب العالميّة الثانيّة عام 1945 بعد الغارة الجوّية المباغتة التي نفّذتها قوات البحريّة اليابانيّة على الأسطول الأميركي القابع في المحيط الهادئ داخل قاعدته البحريّة في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي. فكيف إذا كان الهجوم نوويا؟

ثالثا: ألغت كوريا الشماليّة الهدنة تحت حجة اقتراب طائرتي «ستيلث (الشبح)» من حدودها بهدف التجسس، علما أن شبه الجزيرة الكورية وما حولها تشكل مرتعا خصبا لكل أنواع المراقبة والتجسّس لكل القوى العالمية ولأكثر من خمسين سنة، ولم يحدث أن ألغيت هذه الهدنة بحجة التجسس، فما الذي استجد هذه المرة؟

رابعا: هناك طريقتان لشن هجوم نووي من قبل كوريا الشمالية، فإما أن يكون بواسطة إلقاء قنبلة نووية من طائرات قاذفة، أو من خلال تحميل رؤوس نوويّة على صواريخ باليستية، في الحالة الأولى إذا شنت كوريا الشماليّة هجوما نوويا بالطائرات على أميركا، فإن أميركا قد تسقط تلك الطائرات في البحر قبل أن تصل إلى هدفها أو تتمكن من إلقاء القنابل. أما إذا شنت كوريا الشماليّة هجوما بالصّواريخ على كوريا الجنوبيّة فإنها بذلك تكون قد شنت هجوما نوويا على نفسها لقرب المسافة بين الكوريتين (تبعد سيول 50 كيلومترا عن الحدود). بل إنّه في حالة تحميل رؤوس نووية على الصواريخ الباليستيّة فإنني أعتقد أن كوريا الشماليّة لا تمتلك التقنية المتطورة لتنفيذ الهجوم.

خامسا: أغلقت كوريا الشماليّة بشكل مؤقت مجمعا صناعيا ضخما تشترك فيه مع كوريا الجنوبيّة، يوفر لها أكثر من ملياري دولار، كما يوفر فرص عمل لأكثر من خمسة وستين ألفا من عمالها يتقاضون رواتب تزيد على ثمانين مليون دولار، وهي بأمس الحاجة للعملات الصعبة ولن تستغني عن هذه الكنوز على الإطلاق.

سادسا: يذهب بعض المحللين الذين يعتقدون حتمية الحرب إلى أن روسيا أوعزت لكوريا الشماليّة افتعال هذه الأزمة ظنا منها أن أميركا تعيش لحظة ضعف وقد تكون الفرصة مناسبة للانقضاض عليها. كما يعتقدون أنّها قد تشن حرب نووية لإنقاذ النظام السوري. ولكن هذا التحليل مجاف للحقيقة. فمن جهة لم يحصل في التاريخ أن شنت دولة ما حربا نووية لإنقاذ نظام، كما أن أميركا تملك القدرة على امتصاص الضربة النووية الأولى فيما لو حصلت والقيام بالهجوم النووي المضاد والذي سيكون مدمرا مائة مرة قياسا بما حصل في مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وعندها ستكون كوريا الشماليّة خارج الخارطة الجغرافية.

* كاتب أردني