هل ارتطمت الأزمة السورية بالصراع في آسيا الباسيفيك؟

فؤاد فرحاوي

TT

تشهد منطقة آسيا الباسفيك تطورات خطيرة على ضوء التصعيد في شبه الجزيرة الكورية، وصلت إلى حد إعلان كوريا الشمالية الحرب على واشنطن. ونتيجة لذلك تحولت أنظار المجتمع الدولي إلى تلك المنطقة، بينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بيونغ يونغ لتخفيف لهجتها. والمتأمل في تطور الأوضاع الدولية في السنوات الأخيرة يدرك أن الصراع المتفجر في آسيا الباسفيك هو محصلة اصطدام المصالح على ضوء تغير موازين القوى الدولية. لقد أبرزت واشنطن اهتماما أكبر بمنطقة آسيا الباسفيك بسبب رغبتها في محاصرة النفوذ الصيني وتمدده خارج آسيا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وفي السنوات الأخيرة بدأت تترسخ قناعة لدى الإدارة الأميركية بالانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، غير أن هذا الانسحاب كان لا بد أن ترتبه بميزان دقيق تفوض من خلاله عددا من هذه الملفات إلى قوى أخرى، حتى وإن تضاربت مصالح هذه القوى في ما بينها. ويبدو أن واشنطن كانت تعول على إيران وتركيا وفرنسا في إدارة عدد من الملفات، مثل العراق ولبنان والصراع العربي الإسرائيلي. وليس يفترض أنه ليس بالضرورة أن تكون تلك الدول متوافقة في إدارة هذه الملفات ما دامت واشنطن ترغب في الاحتفاظ بدور المؤطر للعلاقات بين هذه الدول. وفي المقابل توجهت الولايات المتحدة لإيجاد مساحات تأثير أكبر في مناطق أخرى ضمن الاستراتيجية الأساسية وهي حصار الصين. وهكذا بدأت منذ عام 2002 في بناء منظومة أمنية وعسكرية جديدة في أفريقيا، كان أبرز مظاهرها إنشاء قيادة عسكرية مركزية لأفريقيا (أفريكوم) مستقلة عن قيادتها في أوروبا. وأدركت بكين أن الغاية من تلك القيادة هي محاصرة نفوذها المتنامي في أفريقيا، وعرقلتها عن أن تتحول إلى قوة عالمية. روسيا قرأت هذه التحولات لصالحها، خاصة أمام الصعوبات التي كانت تعترض واشنطن والحلف الأطلسي في أفغانستان. وبالقدر الذي كانت تحاول به أن تستعيد المبادرة من واشنطن في آسيا الوسطى والقوقاز، عبر إعادة انتشار قواعدها والتدخل في جورجيا مثلا، اتجهت موسكو بدورها إلى إعادة إحياء علاقاتها مع الدول الأفريقية، وتجلى أحد مظاهر ذلك في الجولات الرفيعة المستوى التي قام بها مسؤولون روس إلى أفريقيا ابتداء من جولة الرئيس فلاديمير بوتين عام 2006 وصولا إلى تعيين مبعوث رئاسي خاص بأفريقيا.

جاءت الأحداث الأخيرة في المنطقة العربية لتربك حسابات واشنطن وتضع القوى الإقليمية بالشرق الأوسط في مأزق خطير، عكسته المواقف المتناقضة لها حيال الأزمة السورية، لا سيما تركيا وإيران. وفي سياق التطورات التي عرفتها المنطقة العربية، نشأ تحالف موضوعي بين كل من الصين وروسيا ضد إرادة واشنطن في أكثر من منطقة وليس في الشرق الأوسط فقط. ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي كان فيه التوتر في أوجه في منطقة الساحل والصحراء بأفريقيا، كان التصعيد والتوتر يتزايدان في شبه الجزيرة الكورية. ولم تكن الحرب التي شنتها فرنسا في مالي لتفسر فقط بمواجهة المتطرفين، بل حملت أيضا معنى مواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا باسم الغرب، وهو ما يستشف من تصريح المبعوث الرئاسي الروسي الخاص لأفريقيا «ميخائيل مارغيلوف» عندما اعتبر أن «جهورية مالي تعتبر كنز أفريقيا ونقطة تقاطع مصالح جيوسياسية واقتصادية دولية». بدأت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة في التحرك في منطقة الشرق الأوسط مجددا، وحققت الدبلوماسية الأميركية بعض المكاسب، منها نجاح أوباما في إقناع الإسرائيليين بالاعتذار لتركيا، وفي ظرف شهر ونصف الشهر زار وزير الخارجية الأميركي تركيا ثلاث مرات. وهناك تطورات تنبئ بدخول الملف السوري إلى مرحلة جديدة يفسرها أيضا توقيت اختيار بشار الأسد لإجراء حواره الأخير مع قناة «أولوصال» وصحيفة «ايدنليك» التركيتين. وبالمناسبة فإن الجهتين المحاورتين تمثلان اتجاها معارضا لمواقف أنقرة الرسمية حيال الأزمة السورية، وحتى للمساعي الجارية الآن لحل الأزمة الكردية. ليس بالضرورة أن يكون التحرك الأميركي الأخير قد ينجم عنه حل للأزمة السورية، بل قد يكون تعبيرا عن مستوى معين من تهدئة الصراع بين القوى الكبرى، خاصة أمام مخاطر الانزلاق إلى مواجهة مباشرة في آسيا الباسفيك بسبب التصعيد في شبه الجزيرة الكورية.. وربما يكون إعلان نور المالكي عن رغبته في تطوير علاقاته مع تركيا، بالإضافة إلى قبول حزب الله تسمية تمام سلام رئيسا للحكومة اللبنانية، جزءا من عناصر هذه التهدئة. لكن في المقابل يلاحظ أيضا إرسال إيران لوحدات من أسطولها البحري لأول مرة إلى آسيا الباسفيك، حيث يبدو أنها تسعى إلى الانخراط في المعادلة الإقليمية هناك، ربما في أفق مقايضات مستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تقوم به روسيا أيضا بإعلانها عن نيتها إنشاء أسطول بحري مرابط بشكل دائم في البحر الأبيض المتوسط.

* باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (أوساك) في أنقرة - تركيا