الأمن الآسيوي.. بين القومية الاقتصادية الصينية وأميركا

عبد العظيم محمود حنفي

TT

ما يلاحظه أي دارس للكتابات الأميركية هو النزعة الاستثنائية لديهم، أي نظرة واشنطن لنفسها على أنها تمثل استثناء أو نموذجا فريدا، ومن حقها أن تربط بين سلوكها تجاه الدول الأخرى وبين قبول هذه الدول لقيمها واعتمادها في المقام الأول.

أما الصين فترى أن صعودها الحالي على المسرح العالمي، ليس سوى عودة للحالة الطبيعية عندما كانت هي القوة المهيمنة منذ مائتي عام. تبدو معظم الشخصيات الصينية مقتنعة بأن الولايات المتحدة تسعى لاحتواء الصين، وتقييد نموها. في الوقت نفسه، يدعو كبار المفكرين الأميركيين الاستراتيجيين إلى لفت الانتباه حول النفوذ الصيني المتزايد عالميا، وأيضا قدراتها العسكرية المتعاظمة. لكن لم يتنبه كثيرون إلى النظرة الاقتصادية القومية للصين، التي تجسدت بصورة واضحة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية نهاية عام 2008، فقد حملوا الرأسمالية الأميركية مسؤولية الأزمة وحثوا واشنطن على أن تضمن سلامة الديون المتوجبة عليها لبكين، وكانت قيمتها تناهز تريليوني دولار، بل إن حاكم البنك المركزي الصيني دعا إلى استبدال الدولار بعملة احتياطية جديدة تخضع لرقابة صندوق النقد الدولي لأن من شأن ذلك تأكيد تراجع العملة الخضراء على المدى الطويل.

إن النزعة القومية الصينية وجدت قوتها الدافعة عبر مجموعة ناشئة من المفكرين القوميين الصينيين المنادين بأن تنفق الحكومة المزيد من الأموال من أجل التنمية الداخلية وتقوية سلاح البحرية وغيرها، لاقت هذه الدعوات استجابة القيادة الصينية، وبدأت العمل بها كما أدى هذا التوجه إلى إزعاج الكثير من جيرانها. وترى وزارة الدفاع في الولايات المتحدة أن الصين تهدف من وراء ذلك إلى بناء سلسلة من القواعد الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية، أو ما يسمى «عقد اللؤلؤ»، من خلال توسيع نفوذها من سريلانكا جنوبا إلى النيبال وباكستان شمالا. والملاحظ أن بناء الصين لميناء بحري رئيس في سريلانكا إلى جانب توسيعها لشبكات السكك الحديدية في إقليم التيبت، ووصلت هذه الشبكة إلى الحدود المشتركة بين الصين والهند، إلى جانب الممرات البحرية الكبرى من بحر الصين الجنوبي إلى الشرق الأوسط الغني بالنفط ليس لتأمين إمداداتها من الطاقة فحسب، بل لأنها ترغب في تحقيق أهداف أمنية أوسع نطاقا، مما يسبب قلقا تتشارك فيه الهند واليابان مع الولايات المتحدة.

وتمتلك الصين حاملة طائرات تعود إلى حاملة سوفياتية سابقة اشترتها الصين من أوكرانيا بعد تجديدها. وسبق أن كشف قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادي عن أن الصاروخ الصيني المضاد للسفن والقادر على إغراق البارجات الأميركية في المحيط بات على وشك الجهوزية والاستخدام، كما أصبح سلاح البحرية الصيني يدخل مناطق أعمق ليضمن سلامة مسالك النقل لوسائل الطاقة ولينفذ دوريات ضد القراصنة بالقرب من الصومال وتجري الصين بين الحين والآخر عروضا بحرية مهيبة.

لا أحد يعتقد أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين قد تنتهي إلى الدموع والآلام في أي وقت قريب، على الأقل بسبب الاعتماد الائتماني المتبادل والدائرة الاستهلاكية التي تحتوي البلدين حاليا. ولكن التوقعات بدأت فعلا بتوليد كتلة من التحليل والتعليق مع التركيز على التوترات المتفاقمة منذ فترة طويلة، بل الصدامات بين الصين واليابان حول جزر سينكاكو التي تعرف في الصين بجزر دياويو، مما يثير القلق إزاء التحديات التي تواجه الأمن البحري في شرق آسيا والمنازعات في بحر الصين الجنوبي التي تنشأ من حين إلى آخر في بحر الصين الشرقي إضافة إلى التربص الدائم في مضيق تايوان.

والتساؤل المطروح: إلى ماذا ستؤدي القومية الاقتصادية الصينية التي تتزامن معها وتسندها قوة عسكرية متنامية؟ هل ستؤدي إلى زيادة التوترات أم إلى تحقيق الاستقرار في محيطها الإقليمي والعالمي؟

* أكاديمي وكاتب مصري في العلوم السياسية