الثقافة العلميّة والإعلام العلمي

صفات سلامة

TT

تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تنظّم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالتعاون مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، المؤتمر السُّعودي الدّولي للثقافة العلمية في العاصمة الرياض. انطلقت فعاليات المؤتمر في 13 ابريل (نيسان) الحالي وتستمر اسبوعين.

اصبحت الثّقافة العلميّة من أهم القضايا المصيريّة والمهمّة عالميّاً، التي تحدِّد مكانة الدول. إنّ الاهتمام بنشر الثقافة العلميّة والتكنولوجيا وتبسيطهما على نطاق واسع، سمة مميزة من سمات المجتمعات المتقدمة، فهي تهتم بنشر الكتب العلمية المبسطة خصوصا للأطفال والشباب، فلا تخلو أي صحيفة أو مجلة من الصفحات العلمية المحرّرة والمبسّطة من قبل متخصصين ممّا يسهل على القارئ فهمها، هذا الى جانب القنوات التي تبثُّ البرامج العلمية ويعلق عليها علماء ومؤلفون كبار، ويقدّمونها بصورة جذابة مشوقة وسهلة، لإثارة حب العلم، الذي يغذّي خيالهم ويفجِّرُ طاقاتهم الإبداعية.

ولا شك أن كل هذه الأساليب وغيرها، تؤهِّل الأفراد للعيش في عالم الغد، وتؤدي إلى إشاعة المنهج العلمي في التفكير والإبداع، وبالتالي القدرة على مواجهة الأزمات والمشكلات بفاعلية أكثر.

ولعل السؤال المهم هو: من المسؤول عن نشر وتعزيز الثَّقافة العلمية بين أفراد المجتمع؟ والإجابة هي أن المسؤولية جماعية مشتركة بين جميع الأطراف والجهات، لكن في رأيي أنّ المهمة الأكبر تقع على عاتق الإعلام العلمي، في أهمية نشر العلم أولا كثقافة مجتمعية راسخة لها قيمة وأهمية في أنشطة الحياة اليومية.

إنّ واقع الإعلام العلمي في عالمنا العربي ما يزال خجولاً وقاصراً عن اللحاق بركب التَّقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع في العالم. ثمّ أنّ الأخبار العلميّة في صفحات الصحف والمجلات العربيّة أقل من الحاجة المطلوبة، وتقتصر على موضوعات مترجمة.

إنّ المفهوم التقليدي للثقافة في العالم العربي ينحصر في مجالات الأدب والتاريخ والتراث والفنون والسياسة والرياضة، كما أن كليات الإعلام لا مجالات فيها للتَّخصّصُ في مجال الإعلام العلمي، وهي عاجزة عن إعداد برامج وأفلام علمية متميزة تعبر عن بيئتنا العربية وتثير في المستمع أو المشاهد الرغبة الحقيقية في معرفة طبيعة وأسرار العلم والتكنولوجيا.

لهذا لا بد أولا أن يصبح العلم ثقافة (Science As Culture) في المجتمع، من خلال إعلام علمي متميز يؤدِّي الى التواصل المستمر بين الحركة العلمية وعامة الجمهور. من الضروري أولا تغيير نظرة مجتمعاتنا العربية للعلم وتنشئة المواطن على أسلوب التفكير العلمي في جميع مجالات الحياة اليوميَّة، ليدرك أنّ التكنولوجيا ليست ترفا فقط بل هي الطريق الى المستقبل.

ويتحقّق ذلك من خلال إعلام علمي تنموي ينقل ويقدم الموضوعات والأخبار العلمية بأسلوب ناقد واستقصائي، يساعد على فهم طبيعة العلم وأهميته، والحث على المشاركة الإيجابية في اتخاذ القرارات، خصوصا فيما يتعلق بالمشكلات والقضايا المجتمعية. اضفُ الى ما سبق، ضرورة التعاون بين العلماء والإعلاميين العلميين للتعرف عن قرب على كيفية معالجة المواضيع العلمية في وسائل الإعلام، وكيفية توصيلها بأسلوب سهل ومبسط وجذاب الى الجميع، هذا الى جانب دور الجامعات العربية المهم في إعداد الأشخاص الذين يهتمون بالتوعية العلمية، وذلك يتطلب ضرورة تطوير المقررات الدراسية في الكليات العلمية والنظرية، وخصوصا كليات الإعلام، لإعداد أقسام وتخصصات جديدة تخدم الإعلام العلمي. من الضروري أيضا مواكبة الثورات والتطورات والقضايا العلمية والتكنولوجيا العالمية المتسارعة، والاهتمام بتأليف وترجمة الكتب العلمية وفق خطط واستراتيجيات فاعلة يسهم فيها العلماء وذوو الاختصاص، مع الاستفادة من رؤى الكتاب العلميين وعلمائنا العرب في الداخل والخارج في تحديد قائمة موضوعات ومجالات العلوم والتكنولوجيا المهمّة، وكذلك الاستفادة منهم في دعم وتشجيع قراءة الكتب العلمية والتَّعرف على اتِّجاهات وقضايا العلوم الحديثة من خلال استضافتهم في ندوات ومحاضرات عامة لمناقشة هذه الكتب مع مؤلفيها ومترجميها، وذلك في دور ومكتبات النشر ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، وخصوصا القنوات الفضائيّة.

ومن المهم أيضا استطلاع الآراء للتعرف على توجهات ورؤى العلماء والقرَّاء ودور النشر في مجال نشر الكتب العلمية. من المشجع والمفيد أن تنظّم مسابقات علميّة يشارك فيها الجمهور تكون جوائزها عبارة عن مجموعة من الكتب العلمية ورحلات لمراكز ومعاهد البحوث العلمية. إن بقاءنا وتفوقنا في عالم الحاضر والمستقبل، لن يتحقّق إلا من خلال نشر العلم بين أبناء أمتنا على أوسع نطاق وتكون له مكانة لائقة، وهنا يأتي دور الإعلام العلمي الجاد وجهوده من أجل بناء ودفع الحركة العلمية الى الأمام، ليصبح العلم مكونا أساسيا من مكونات ثقافتنا العربيّة وهكذا نستطيع اللحاق بقطار العلم السريع وعنوانه «اللحاق أو الانسحاق».