دول الخليج وأكراد العراق

د. عزيز بارزاني

TT

كانت السعودية إحدى الدول التي حاول أكراد العراق التقرب منها خلال العقود الماضية، لا سيما في أيام الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني، فقد صار هناك اعتقاد من الجانب الكردي بأن تسهم المملكة في لعب دورها من أجل مساعدة الشعب الكردي لحل مشاكله مع الحكومة المركزية في بغداد سلميا، ليس هذا فحسب بل إن تقاربا قويا قد حصل بين الجانبين الكردي والسعودي إثر توجه بغداد نحو الاتحاد السوفياتي السابق في بداية السبعينات من القرن المنصرم وتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون عام 1972، مما شكل تهديدا حقيقيا على أمن دول الخليج ومصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، الأمر الذي مهد لإقامة علاقات وتبادل رسائل بين العاهل السعودي الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز وبارزاني. وكان لمحمود بابان الذي كان من أصل كردي، والذي كان قد غادر العراق بعيد سقوط النظام الملكي في العراق، دور كبير في إقامة هذه العلاقات. وظل زعماء الأكراد يقدرون موقف الملك فيصل المتعاطف مع الشعب الكردي في العراق، حتى إن رئيس إقليم كردستان الحالي مسعود بارزاني يشير إلى تقدير ذلك الموقف في كتابه «بارزاني والحركة التحررية الكردية 1961 – 1975».

بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، كان إقليم كردستان المنطقة الوحيدة التي حافظت على استقرار الجانب الأمني، مما أثر إيجابا على جذب الاستثمارات الأجنبية وحدوث انتعاش اقتصادي واضح، وفي هذا الصدد حرصت حكومة إقليم كردستان على التقرب أكثر من دول الخليج والاستفادة من تجاربها خصوصا تجربة دبي، وبالفعل شهدت علاقات الإقليم تطورا ملحوظا من خلال عقد اللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين من بعض دول الخليج، ومجيء الشركات ورجال الأعمال إلى أربيل، كذلك بدأت العلاقات تتطور بين أربيل والدوحة.

لكن في الوقت نفسه لم يحدث تطور كبير في علاقات الإقليم مع السعودية رغم زيارات رئيس الإقليم مسعود بارزاني للمملكة. لقد كان أكراد العراق يتوقعون أن السعودية ربما ستتحرك حتى وإن كان ذلك التحرك اقتصاديا، كرد فعل على تدهور علاقات إقليم كردستان مع حكومة بغداد المدعومة من إيران، والتي تنتهج سياسة إقصائية للعرب السنة في العراق. من جانب آخر نجد دول الخليج تشعر بين حين وآخر بعدم الارتياح من توجهات الحكومة الحالية في العراق، إلا أن كل ذلك لم يدفع بالعلاقات السعودية - الكردية نحو الأمام، بل ظلت تراوح مكانها.

مما لا شك فيه أن عراق اليوم لن يرجع إلى أيام الثمانينات من القرن المنصرم حين كان يعرف بـ«البوابة الشرقية للوطن العربي»، والحصن أمام امتداد النفوذ الإيراني في الخليج، حين كانت بعض دول الخليج تنأى بنفسها عن مساندة أكراد العراق حفاظا على علاقاتها مع بغداد، لذا فإننا نأمل اليوم تحركا تجاه المزيد من التقارب مع كردستان العراق.

* عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة صلاح الدين في أربيل بكردستان العراق منذ عام 2002.